محمد واني يكتب:

استقبال حافل لماكرون في اربيل

يبدو ان الولايات المتحدة قد سلمت مهام عملها في العراق الى فرنسا قبل انسحابها من العراق بحلول 31 ‏ديسمبر/كانون الأول 2021. عملية تسليم واستلام وفق سياقات وتفاهمات سياسية من وراء الستار في تبادل للأدوار والمواقع! فرنسا تتولى الشؤون العراقية (ولو بشكل مؤقت)، بينما تتفرغ أميركا للصين!

وهذا يبدو واضحا من ‏خلال الاهتمام غير الطبيعي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالعراق ونشاطاته الدبلوماسية المكثفة فيه وآخرها ‏حضوره في مؤتمر قمة بغداد للتعاون والشراكة المنعقد في 28 أغسطس 2021 والذي قال عنه ماكرون انه "مؤتمر ‏تاريخي، وهو بمثابة انتصار بحد ذاته" وأكد أن "بلاده ستبقي على قواتها في العراق في إطار عمليات مكافحة الإرهاب ‏ما دامت الحكومة العراقية تطلب ذلك، وبغض النظر عما تقرره الولايات المتحدة" وهذا يعني فيما يعنيه ان السياسة ‏الفرنسية تختلف عن السياسة الاميركية في العراق وان المرحلة القادمة ستكون اكثر انفتاحا وشمولا واكثر تناغما مع مكونات العراق.

ماكرون لم يكتف بتوطيد علاقاته مع النخبة السياسية في العراق بل توجه نحو شرائح المجتمع الدينية والاجتماعية، ‏فزار المناطق الشيعية ومرقد الامام الكاظم وبرفقة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وفي أربيل التقى بعائلة الشهيد هوجام السورجي الذي ذبحه الإرهاب الداعشي. وفي الموصل زار جامع "النوري" السني ‏وكنيسة "الساعة" التي دمرها "داعش" أيام احتلاله للمدينة واعلانها عاصمة لخلافتها المزعومة.

ربما ادركت أميركا ‏مكانة فرنسا المرموقة ورئيسها الشاب لدى العراقيين السنة والشيعة والكرد ومقبول الى حد كبير لدى الإيرانيين رغم ان فرنسا دعمت "إحالة ايران ‏الى مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بسبب رفضها تخصيب اليورانيوم".

ولدى فرنسا علاقة تاريخية ممتازة مع الشعب ‏الكردي وقادته القدماء والجدد، يكفي انها هي التي أسهمت في إصدار قرار فرض منطقة حظر طيران عام 1991 ‏لمنع النظام البعثي الدموي من ارتكاب مجازر بحق الشعب الكردي على غرار القصف الكيمياوي وعمليات الانفال التي ‏ذهب ضحيتها مئات الالاف من الأبرياء.

ولولاها لظل الحصار الشامل الجائر الذي فرضته حكومة حيدر العبادي على ‏إقليم كردستان جوا وبرا بعد قرار الإقليم لاجراء الاستفتاء عام 2017 يقضي على حياة الكثيرين من الناس.

وقد اثنى رئيس ‏إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على فرنسا ورئيسها ماكرون "الصديق"، كما يصف دائما دوره "في ‏معالجة المشاكل ولولا دوره لكانت الأمور تتعقد اكثر وبالأخص بشأن الخلافات بين بغداد واربيل".

ومن الانصاف القول انه لولا حنكة نيجيرفان بارزاني وسرعة تحركه نحو فرنسا لطلب المساعدة لتوسعت رقعة الصراع ولظل الشعب الكردي يعاني اكثر من عقوبات بغداد.

كان من الممكن ‏للرئيس ماكرون ان يزور مدينة الموصل وسنجار التي يقطنها الايزيديون دون ان يمر على اربيل عاصمة إقليم كردستان. ‏ولكن لا يمكن ان تكتمل أي زيارة للعراق دون المرور بأربيل والالتقاء بقادته، وهكذا كان. هبطت طائرة الرئيس ماكرون في مطار أربيل الدولي وكان في استقباله رئيس إقليم كردستان ‏‏نيجيرفان بارزاني ومجموعة من المسؤولين الكبار مرحبين بالضيف الكبير وبدوره. أشاد ماكرون بالشعب الكردي وقادته في مواجهة الإرهاب وقال بانه جاء "لأجدد لكم دعمي ودعم فرنسا، مثلما جددنا دعمنا للإزيديين‏‎".‎