محمد أبوالفضل يكتب:
هل تجاوزت علاقات مصر وقطر عقدة الإخوان
أغلق لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش قمة بغداد للتعاون والشراكة بابا واسعا من الخلافات السياسية بعد أن قطعت العلاقات بين البلدين شوطا مهما خلال الأشهر الماضية توجت بتبادل السفراء. لكن لا تزال عقدة الإخوان رمادية ويجري التعامل معها وكأنها غير موجودة أو أن ظلالها وأشباحها لم تعد مؤثرة في حرارة العلاقات بينهما أو برودتها.
حل العراق عن قصد أو بدونه إشكالية دبلوماسية بين مصر وقطر، حيث وجهت الدوحة دعوة رسمية للرئيس السيسي لزيارتها في يونيو الماضي وبعد أيام قليلة تلقى الشيخ تميم دعوة مماثلة لزيارة القاهرة.
لذلك كان لقاء السبت في بغداد حلا وسطا، لأن ذهاب الرئيس المصري إلى قطر أولا سيفهم على أنه يمثل تنازلا سياسيا يحسب لصالح الدوحة التي اقتربت من دول المقاطعة العربية الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، عقب قمة العلا الخليجية في الخامس من يناير الماضي دون استجابة واضحة للشروط الثلاثة عشر التي ارتبطت بإنهاء المقاطعة، كما أن ذهاب الشيخ تميم إلى القاهرة أولا يعني العكس، أي يفهم على أنه تنازل قطري لمصر.
قد تنفتح بعض الأبواب بين البلدين على ضوء نتائج قمة بغداد التي أوحت التعليقات الإيجابية عليها من الجانبين بأنها ستدفع العلاقات بينهما إلى الأمام، وتعد نقلة نوعية لتذويب جزء معتبر من الجليد الذي تراكم على مدار حوالي أربع سنوات بفعل الخصومة بينهما وما أفضت إليه من تداعيات سياسية متباينة.
يظل ملف احتضان قطر لعدد كبير من قيادات وكوادر جماعة الإخوان أحد أهم القضايا التي أزعجت القاهرة وحثتها على المشاركة في المقاطعة العربية، وبعد أن عادت العلاقات الدبلوماسية لم يتم الحديث حول مصير هذا الملف، وهل جرى التفاهم على تجاهله عمدا أم تمت مناقشته عبر القنوات الأمنية في سرية تامة ولا أحد يريد التصريح بتفاصيل ما جرى حوله لمنع خدش الحياء السياسي لقطر.
الدوحة لا تزال تتمسك بورقة الإسلاميين وما حصل يمكن وصفه بإعادة دقيقة لتصويب المسارات بالطريقة التي تتواءم مع تحولات متسارعة وتغيرات دولية بشأن الموقف من تيار الإسلام السياسي
انصب الخلاف بين القاهرة والدوحة على ملف الإخوان بصورة رئيسية، لأن الدعم الذي قدمته قطر للجماعة كان سخيا أكثر من اللازم، ربما كانت هناك خلافات في قضايا إقليمية عدة، مثل دور قطر في غزة وعلاقتها الوثيقة بحماس، وتدخلاتها في الأزمة الليبية، وهما أزمتان تؤرقان مصر غير أن لملف الإخوان خصوصية.
لا تزال الدوحة تتمسك بورقة الإسلاميين ولم تعلن تخليها عنها، ما حصل يمكن وصفه بإعادة دقيقة لتصويب المسارات وضبط جديد للدفة بالطريقة التي تتواءم مع تحولات متسارعة في المنطقة وتغيرات دولية بشأن الموقف من تيار الإسلام السياسي.
يجري التمهيد لوضع ملف الإخوان في مصر ودعم قطر للمتطرفين على الرف، بما أوجد لدى القاهرة ارتياحا مؤقتا ورغبة واضحة في عدم الاستفاضة في مناقشة قد تجلب معها مشكلات جانبية للطرفين، فالمهم التوقف عن التحريض والتخريب داخل مصر.
تشير العلاقة الوثيقة التي تربط قطر بحركة طالبان إلى حرص على توجيه الاهتمام إلى ما يدور في أفغانستان ومحيطها، بما يسهم في تخفيض مستوى الهواجس المصرية من مزعج جدا إلى مزعج فقط، لأن التغيرات التي تحدث في مسارات دعم الإسلاميين تخفف الضغوط عن القاهرة حاليا، لكن ذلك لا يستبعد ظهورها مرة أخرى.
يبدو أن مصر قبلت باتجاه قطر لوضع ملف الإخوان على الرف في الوقت الراهن، بمعنى لا دعم ماديا ولا تسليم مطلوبين ومحاكمات ولا توظيف سياسيا لهم ولا تحريض إعلاميا، وهي صيغة باتت مقبولة من القاهرة التي تدرك أن تفكيك عُقد الإخوان يمكن أن ينكأ جراحا بين البلدين ويفتح دفاتر قاتمة عديدة في زمن يميل فيه الجانبان للتهدئة بلا خسائر سياسية عبر محاولة أقرب إلى الاحتواء من المحاسبات.
تدرك مصر وقطر أن تقاربهما لم يأت انطلاقا من اعتراف متأخر بأهمية الخطوة، بل جاء من رحم تطورات متلاحقة تدفع نحو محاولة ترطيب الأجواء في المنطقة، وطي الصفحة الماضية التي كان فيها التيار الإسلامي، وجماعة الإخوان في قلبه، رأس الرمح في إدارة التفاعلات الإقليمية الأمر الذي بدأ يشهد خفوتا استعدادا لمقتضيات مرحلة مقبلة غير مرجح أن تكون الجماعة فيها رقما صعبا.
من المستبعد أن يكون فتح ملف الإخوان والتنقيب في صفحاته المريبة مريحا لكل من القاهرة أو الدوحة حاليا، فالأولى تريد ترسيخ فكرة أن الأوضاع السياسية في مصر تتجاوز الجماعة والرهانات الخارجية عليها، وأي إثارة جديدة مع قطر أو غيرها سوف تفضي إلى إعادتها إلى الواجهة باعتبارها ورقة إقليمية مهمة.
وتعمل القاهرة على تجاهل الجماعة ورفض التعامل معها كرقم في أي معادلة سياسية مع الدول التي تؤويها كدليل على تهميشها وتراجع تأثيرها، بالتالي عدم تسليط الأضواء عليها بأي شكل، في إشارة توحي بتقزيمها، وهو ما يفسر الحرص على تغييب مصر لملف الإخوان أو عدم وضعه في الواجهة عند إدارة خلافها مع كل من قطر وتركيا كأكبر دولتين داعمتين وحاضنتين للجماعة، ويؤكد التغييب والخفوت أن كل الأطراف ترتاح للصيغة التي تسعى نحو تخطي عقدة الإخوان كي تسير العلاقات بطريقة سلسة.
لم تنفرج علاقات مصر مع قطر لأن الأخيرة استجابت للمطالب بشأن ملف الإخوان، ولم يتجمد التقارب مع تركيا لأنها رفضت قبول شروط في الملف نفسه، فالمسألة مركبة وتبتعد عن النظرة القريبة التي تحصر التحسن أو التراجع في أزمة الإخوان.
في كل الأحوال لم تعد الجماعة تمثل البؤرة المركزية التي تتنافر عندها الرؤى السياسية، لأن هناك ما هو أهم من القضايا الإقليمية التي تؤثر على مصالح كل دولة، ففي النهاية الإخوان في قبضة الدوحة أو أنقرة ورقة يتم المتاجرة بها، وعندما تستنزف أغراضها تطوى أو تهمل إلى حين يأتي وقت لإعادتها إلى الحياة السياسية.
تقود هذه النتيجة إلى أن عقدة الإخوان مستمرة وتظل واحدة من الإشكاليات الرئيسية في المنطقة لأن عملية التوظيف لن تنتهي، قد تهدأ بعض الشيء لكنها تبقى في الذاكرة حتى يأتي وقت مناسب لاستدعائها، وتعزز تطورات أفغانستان انتقال ثقل الورقة الإسلامية إلى المنطقة المحيطة بها وتخفيف روافدها في الشرق الأوسط، بما ينعكس على درجة الاعتماد على الإخوان في الوقت الراهن.