علي الصراف يكتب:
مجلس شورى قطر.. حل أم مشكلة؟
تخوض قطر في الثاني من أكتوبر المقبل أول تجربة “ديمقراطية” لها بانتخابات لمجلس الشورى. والسؤال الأول الذي يواجه هذه التجربة هو: ما هي حدودها؟
فلئن كانت “الديمقراطية” كلمة كبيرة، فإنها من دون أدنى شك، ليست مجرد انتخابات، ولا حتى “شورى”.
حجم الترشيحات لاحتلال 30 مقعدا في المجلس يشير بوضوح إلى أن هناك اهتماما فعليا بخوض التجربة. إذ “يتنافس” 234 مرشحا بينهم 28 امرأة (بعد انسحاب 50 آخرين). ويتقدم المرشحون الشباب ليتصدروا المشهد. وهناك بينهم من يأمل بأن تتاح له الفرصة لكي يلعب دورا في تطوير وتحديث التشريعات، لاسيما في المجالات التنموية.
ولكن ثمة غايات دعائية، تقف وراء التجربة أيضا. فقطر التي تجد نفسها “لاعبا دوليا”، لاسيما بالدور الذي تؤديه الآن في أفغانستان، تريد أن تظهر بمظهر الدولة الحديثة القادرة على مواكبة غيرها من الدول.
على امتداد عقدين من الزمن انشغلت قطر بلعب دور آخر، كان نشر “الديمقراطية” لدى الغير هو الذي يتصدر اهتماماتها، فكرست جهدا بالغ التركيز على دعم أطراف الإسلام السياسي على وجه الخصوص. ولم تكن صورة قطر الدولية جزءا من الاهتمام. فالبلد الذي يعيش في رفاهية متوازنة واستقرار اجتماعي راسخ، لم يكن ليشعر أنه بحاجة إلى أن يقدم لنفسه أي تعريف جديد.
مجلس الشورى القطري الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1972، كان يؤدي الدور المطلوب منه دون انتخابات. أما الآن، فإن إضفاء “طابع ديمقراطي” عليه، يقصد من حيث الظواهر على الأقل “توسيع المشاركة الشعبية في العملية السياسية” بحسب بعض التوصيفات المتسرعة. ولكن هناك ما يبرر الاعتقاد بأن “توسيع المشاركة الشعبية” أمر يمكن أن يكون واضحا من خلال الانتخابات، ولكن “العملية السياسية” ما تزال هي الشيء الغامض. إذ ما هي تلك “العملية”، إذا كانت موجودة حقا؟
وهنا تبرز التساؤلات حول “حدود التجربة” ومراميها، وحدود صلاحيات أعضاء المجلس الثلاثين.
إدارة مجلس بهذا الحجم ليست أصعب من إدارة نادي “باريس سان جرمان”، ولكن غاياته مختلفة قطعا، ويفترض ألا تكون القاعدة فيه هي “شراء اللاعبين”.
أحد المرشحين (عن الدائرة التاسعة) قدم للمسألة بالقول إن “المجلس المنتخب سيكون فرصة رائعة لإبراز مواهب أعضائه، حتى أن المرشحين أنفسهم الذين لن يحالفهم الحظ سيكتشفون في أنفسهم قدرات وملكات لم ينتبهوا لها وسيعملون على تطويرها، وهذا يصب في مصلحة الوطن”.
هكذا، تبدو القصة وكأنها قصة “مواهب” رياضية أكثر منها قصة “قضايا” سياسية واجتماعية وتنموية، تتطلب معارف وخبرات ورؤى.
القطريون برغم ذلك، لديهم تطلعات فعلية، تتعدى واقع الرفاهية كما تتعدى “إبراز المواهب”. وفي الواقع، فإن هذه الرفاهية نفسها تستحثهم على البحث عن نموذج سياسي أفضل، لاسيما وأن بلدهم يمكن أن يكون “صانع مصائر” بالنسبة إلى العديد من دول المنطقة، وذلك مثلما هو “صانع قرار” بين دول الخليج الأخرى.
الفقير تعطيه خبزا فيرضى. ويظل راضيا حتى يشبع. ولكن ماذا تعطي للشبعان لكي يرضى؟
الأدوار الإقليمية والدولية التي تلعبها قطر، لا تعني “انفتاحا” على العالم فقط. إنها تعني تورطا بمشاغله وقضاياه وتأثرا به أيضا.
والشباب القطريون ليسوا بالضرورة منشغلين باقتناء السلع الفاخرة فقط. سوف يظهر بينهم بسبب ذلك “الانفتاح” نفسه، من يتبنى قضايا حقيقية. وبدلا من أن يعرض “برنامجا انتخابيا” لإنشاء سوق جديد، أو إقامة نواد رياضية ترعى المواهب الشابة، فقد يظهر من يمكنه أن يتساءل عن جدوى الاستثمارات في المحلات التجارية الأوروبية بينما هناك الملايين ممن يتضورون جوعا في سوريا أو لبنان أو اليمن، والملايين ممن يعيشون تحت مستوى خط الفقر في عدد أكبر من دول المنطقة.
بل وقد يظهر من يتساءل عما إذا كان يمكن تحرير أموال الدعم الخارجي من طابعها الأيديولوجي الراهن لتكون استثمارات دعم عامة، غير حزبية، بحيث لا تذهب أموالها إلى منظمات سياسية أو ميليشيات مسلحة.
الإمكانيات الضخمة التي تملكها قطر، يمكنها أن تُوظف لخدمة مكانة مرموقة تستطيع وتستحق قطر أن تحتلها بالفعل. ولكن عندما يتم توجيهها لتحقيق أغراض تنموية، بدلا من توجيهها لتحقيق أغراض سياسية ضيقة الأفق.
عضوية مجلس الشورى التي قد يُنظر إليها كتكليف أو كتشريف، ليست تعبيرا حقيقيا عن الأخذ بوجهة "ديمقراطية". ذلك لأنها سوف تبدو نادي كرة قدم آخر
والمسافة بين بناء مصنع لتشغيل الآلاف من الأيدي العاملة، وبين دعم تنظيمات الإخوان المسلمين، أبعد من المسافة بين الأرض والمريخ.
أعضاء في مجلس الشورى قد يستطيعون على الأقل توجيه الأسئلة، مما انفتحوا عليه مع العالم، حول ما يمكن لقطر أن تفعله ليس لاكتساب مظهر ديمقراطي زاد عن الحاجة، وإنما للظهور بمظهر قوة البناء والتنمية الذي تعز إليه الحاجة.
وهناك أيضا مواطنون من الدرجة الثانية، كما أن هناك مجتمع عبيد حقيقي يعمل في قطر، لا يكاد يتمتع بأي حقوق. ومما لا شك فيه، فإن مقدارا من سعة الصدر يُفترض، نظريا على الأقل، أن يسمح بطرح القضايا التي تتعلق بهؤلاء وأولئك.
عضوية مجلس الشورى التي قد يُنظر إليها كتكليف أو كتشريف، ليست تعبيرا حقيقيا عن الأخذ بوجهة “ديمقراطية”. ذلك لأنها سوف تبدو نادي كرة قدم آخر.
السؤال الأهم هو: ما الذي سوف ينشغل به النواب في بلد لا يعاني من مشاكل كبرى؟
وهناك جوابان محتملان فقط. الأول، أن يبحث المجلس عن “مشاكل كبرى” ليحلها. والثاني، أن يكون هو نفسه مشكلة كبرى.
التجربة “الديمقراطية” في الكويت قدمت الجواب الثاني دائما.
قطر ستكون أسعد حالا، لو أنها عرفت ماذا تريد من انفتاحها على العالم. وستكون أسعد من ذلك، لو أنها اقترحت على مجلس شورتها دورا يتوافق مع تطلعاتها الإقليمية والدولية، وقدرتها على تقديم الحلول الكبرى للمشاكل الكبرى.