د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
مؤامرات النظام الإيراني وعقبات السلام الفلسطيني
في خضم التصعيد الدولي المستمر نحو إيجاد حل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، تتبلور جهود دولية ومبادرات متعددة تهدف إلى تطبيق مبدأ حل الدولتين كأفضل سبيل لتحقيق سلام مستدام في المنطقة. برزت في الآونة الأخيرة موجة من الاعلانات والتحركات السياسية التي تدعو إلى إنهاء الحرب في غزة، الاعتراف بدولة فلسطين، وتعزيز سلطة السلطة الوطنية الفلسطينية كضامن وحيد للسلم، وهو ما يقابل بمقاومة حادة من النظام الإيراني الذي يُعدّ أحد أبرز المعرقلين لهذا المسار.
في سبتمبر 2025، أعلنت كل من بريطانيا وكندا بشكل متزامن عزمهما الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين في إطار دعم مبدأ حل الدولتين، معتبرتين هذا الاعتراف خطوة ضرورية لإنهاء الصراع، وتأكيداً على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وذات سيادة. جاء هذا الإعلان في ظل معاناة إنسانية متفاقمة في قطاع غزة، حيث أدى النزاع المكثف إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا والدمار الواسع، كما هو مفصل في بيان مؤتمر السلام الدولي في نيويورك، الذي رعته اتحادات عربية وأوروبية وشملت الدول الموقعة تأكيدها على مطالبة حركة حماس بالتخلي عن السلاح وتسليم كل صلاحياتها في غزة للسلطة الفلسطينية لضمان وحدة وشرعية النظام السياسي الفلسطيني مما يمهد الطريق أمام تحقيق السلام.
إلا أن هذه التحركات المطالبة بإنهاء استمرار حالة التوتر إلى حلول سلمية تواجه رداً قوياً من النظام الإيراني، الذي يرفض مطالب الحوار والاعترافات الرسمية ويصفها بأنها خطط خادعة تهدف إلى تقويض المقاومة الفلسطينية وتخلي الفلسطينيين عن خيار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ففي رد فعل رسمي صادم، أصدر مجلس النظام الإيراني (مجلس الارتجاع) بياناً قوياً يرفض مبادرات السلام ويصف خطة الدول الأوروبية والأمريكية لحل الدولتين بأنها "مخططات خادعة"، ويحذر الدول الإقليمية من أي تعامل معها، مهدداً بأن النظام لن يتوقف عند غزة أو بيروت أو دمشق بل سيسعى للانتقام من كل من يلتزم ببروتوكولات السلام مع إسرائيل.
يبرز هذا الموقف على أنه محاولة من طهران للحفاظ على نفوذها في الساحة الفلسطينية وفي المشهد الإقليمي الأوسع، حيث تعتبر أي نجاح لحل الدولتين تهديداً مباشراً لمشروعية نظامها ودوره المحوري في “المقاومة”. فإيران تعتمد سياسة الترهيب وإثارة النزاعات لمنع توحيد الصف الفلسطيني تحت سلطة سياسية واحدة تقبل بالمفاوضات والسلام، وبالتالي تعمل عبر أذرعها في المنطقة من فصائل مسلحة وجماعات محسوبة عليها على إجهاض أي مساعي لتقليل حدّة النزاع أو لتحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، توضح توجهات النظام الإيراني رفضه الواضح لتقاسم الساحة السياسية مع أي طرف آخر، وحتى داخل النظام الفلسطيني، حيث يُلحظ من خلال موقف محمود عباس وتأييده الصريح للمؤتمر الدولي في نيويورك وبيانه المساند لمبدأ تسليم الحاكمية للسلطة الوطنية، أن هناك نزاعاً داخلياً على نمط القيادة والمقاومة وهذا من شأنه صب الزيت على نار التوترات التي يتوقع أن تستمر طهران في استغلالها لتعميق الشرخ الفلسطيني وتعقيد العلاقات الإقليمية نحو مزيد من عدم الاستقرار.
هذه التعطيلات والتوتّرات التي يفرضها النظام الإيراني تؤدي إلى عدة نتائج سلبية: أولها إطالة أمد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وثانياً منع توحيد الفلسطينيين حول مشروع سياسي موحد قادر على مواجهة الاحتلال بوسائل سياسية قادرة على تأمين حقوقهم، وثالثاً الحقن المستمر للتوتر الطائفي والإقليمي بما يتيح لإيران الحفاظ على هامش المناورة وفرض أجندتها الخاصة على مضض على المشهد الفلسطيني.
في المقابل، تستمر الجهود الدولية، متمثلةً في تحالف دولي يضم بريطانيا، كندا، دول الاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول الأخرى، لتكثيف الضغوط على إسرائيل ودفعها للموافقة على وقف إطلاق النار وإعادة إحياء عملية السلام التي تعتمد على حل الدولتين، حيث يتم العمل على دفع المجتمع الدولي لاعتراف أوسع بدولة فلسطين.
في الختام، يمكن القول إن النظام الإيراني يُمارس خطة ممنهجة وعنيفة لإعاقة تنفيذ مشروع حل الدولتين، عبر خلق أزمات متعددة داخلية وإقليمية، ورفض كافة المبادرات التي تعزز من سلطة السلطة الفلسطينية ومشروعية هذه الدولة، رافضاً بذلك السلام والاستقرار في المنطقة والذي من شأنه أن يقلص نفوذه. هذا الصراع بين المعسكرين يظهر بجلاء بأن ملف القضية الفلسطينية لا يزال ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ الدولية والإقليمية، وأن بقاء الأوضاع كما هي يفاقم من معاناة الشعب الفلسطيني ويعرقل أي مسعى جاد لإنهاء هذا النزاع المزمن.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي