د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل عدنا الى الجاهلية نصنع الطغاة ؟!!
كان العرب في الجاهلية الأولى يعبدون الأصنام ..وعندما يملوا منها كانوا يأكلونها أو يهدمونها !!
وبقيت تلك العادة الجاهلية تسري في دماء البعض منهم وتنتقل في جيناتهم عبر الأجيال حتى اليوم !!
وفي اليمن نحن من يصنع الطغاة والجبابرة ..ونحن من يذل الأحرار ويدمر الثورة ويغلق نسائم الحرية !!
وما دام الحال هذا فلا نلوم الدكتاتوريين والفراعنة إذا تسلطوا علينا فنحن من وليناهم زمام الأمور ونفخنا أوداجهم وأجسادهم !!
الرئيس في الغرب لا يصل إلى الحكم إلا بالانتخاب ولا يستمر في الحكم إلا أربع أو ثمان سنوات على أكثر تقدير ثم يرحل في هدؤ ليعود إلى منزله وأسرته ويتفرغ لكتابة مذكراته وتجربته في الحكم ثم يأتي غيره !!
أما نحن يظل الرئيس البطل الملهم عقودا طويلة ينفش ريشه كا لطاووس ..فهو الزعيم والرئيس الأوحد .. نرفع صوره في مكاتبنا و مجالسنا وسياراتنا .. وعندما يتنقل في مواكب من السيارات الفاخرة المصفحة بملايين الدولارات من قوت الشعب .. يسير أمامه وخلفه سيارات فوقها جنود أشداء لحمايته من شعبه و عندما يمر موكبه لا نراه ولا نسمع إلا صفير السيارات وهدير محركاتها ..وتتبعها دراجات فاخرة عليها مقاتلون في زي شرطة يفتكون بمن يعترض موكب فخامته !!
ونقف تحت الشمس المحرقة على الطرق التي يمر موكبه عليها نحييه ونهتف باسمه
ويكتفي فخامته بالتلويح لشعبه بيده الكريمة من خلف الزجاج المضاد للرصاص والكل يحييه والبعض تأخذه الحماسة ويجري حافيا خلف موكب فخامته يلوح بيديه ويجري فوق الاسفلت وينسى أنه حافيا وبعد أن يبتعد عنه الموكب ويعظه الجوع والعطش يتذكر ويتحسس جيوبه فلا يجد نقودا فيها بل ورقة كتبتها زوجته ليحضر مواد غذائية للأسرة ويعود الى البيت خالي الوفاض ليحكي لأولاده أنه رأى فخامته بل وحياه ولوح له بيده ولا ينتبه إلا على صراخ زوجته تسأله : أين طلبات البيت ؟
فلا يجيب ولكنه يتابع التلفزيون الذي ينقل موكب فخامته على الهواء وما ان تقف سيارة فخامته أمام باب القصر حتى يشاهد الجميع فخامته لا يقوى على الوقوف وفي الحال يحضر أحد الحراس كرسيا متحركا ينقل فخامته الى الداخل !!
وهذا الكرسي يتجول عليه في المناسبات الوطنية والقومية ..وإذا عرض له عارض صحي توضع صورته على الكرسي بدلا عنه ولها نفس المقام من التبجيل والاحترام
حتى من حرس الشرف الذين يؤدون لصورته التحية !!
انها مشاهد حقيقية وليست خيالية واللوم على شعوبنا العربية التي صنعت تلك الأصنام !!
ونحن بذلك نخالف تعاليم ديننا الإسلامي الذي يكون فيه الحكم شورى بين المسلمين وديمقراطيا ..فالخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق قال في حطبته بعد توليه الخلافة :
(( إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني ))!!
وحالنا اليوم في اليمن بعد أن أوجدنا الحاكم الطاغية والحزب المستبد و منحنا عقولنا إجازة مفتوحة ليحكمونا عقودا طويلة أذاقونا خلالها المر والعلقم وأشبعونا قتلا وتنكيلا وتشريدا ونقلوا تجارب عتاة الشيوعية والجلادين إلى بلادنا ..ولكن بشعارات مضللة سرا وعلنا ثم شتتونا في بقاع الأرض !!
وما إن تنفسنا الصعداء واعتقدنا أن حكم أولئك الطغاة قد زال ..حتى يأتي طاغوت آخر من زرائب قم وزوايا طهران متسربل بالدين والشعارات ويبث سموم الفرقة والطائفية والسلالية والعنصرية في بلادنا المتسامحة ويدعي لنفسه الحق الإلهي معتمدا على جيناته الوراثية و سلالته.. ليتحكم في رقابنا ..وعندما صدقه السذج والجهلة واتبعوه مستخفا بعقولهم ..جندهم لخدمته ومنحهم صكوكا وتمائم تنقلهم إلى الجنة مباشرة فصدقوه وقدموا أرواحهم من أجله !!
إذن الدكتاتور العربي هو نحن ..لأنه ما كان ليجرؤ على ذبحنا وسرقة بلادنا وسحبها من تحتنا لولا أننا أعطيناه كل مفاتيحنا العامة والخاصة !!
الدكتاتور ليس له أدوات إلا نحن ..فنحن الكرباج ونحن الظهر ونحن السيف والمقصلة والرقبة ..انه اختراعنا واستحضارنا نحن وآمنا به رغم علمنا بسحره وشعوذته ودجله علينا !!
وبعيدا عن الأسماء والألقاب السابقة، نحن امة متطرفة حبا وكراهية، لا نصنع غير الأصنام بديلا عن الأصنام!!
نهدم صنما، ونبي بدلا منه ..نهدم لنصنع آخر، ونمارس الهَبل الفكري في تقديس الأسماء والأشخاص، ونصنع منهم أنصاف آلهة لا يموتون، يحكمون ويأمرون ونبرر لهم كل أخطائهم وأفكارهم !!
فقط لان تاريخهم يشفع لهم- هذا أن كان تاريخ بعضهم مشرفا - نربي فراعنة صغارا ونمارس دور السحرة الذين يدافعون عنه.!!
حتى لو أتى النبي «موسى» وتلقف بعصاه كل أفكارنا البالية وشعاراتنا المحنطة... فلن نؤمن به كسحرة فرعون، بل نزداد عشقا وهياما بفرعون!!
د.علوي عمر بن فريد