عمر الرداد يكتب:
الأزمة اللبنانية- الخليجية... ما بعد قرداحي
تتدحرج الأزمة اللبنانية، وعبر محطات تبدو مدروسة من قبل حزب الله وخصومه، باتجاهات تدل مؤشراتها على أنّها ذاهبة إلى المزيد من التصعيد بين الفرقاء اللبنانيين، الذين يستندون لمرجعية معطيات إقليمية عنوانها: محور طهران، ومن ضمنه الثنائي: حزب الله وحركة أمل، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، مقابل محور آخر أصبح عنوانه القوات اللبنانية "سمير جعجع" بالإضافة إلى تيار المستقبل بقيادة الحريري وحلفائه.
على الصعيد الداخلي في لبنان، من المؤكد أنّ الأزمة التي أثارها وزير الإعلام "جورج قرداحي" بتصريحات سابقة ينتقد فيها السعودية والإمارات على خلفية حرب اليمن، ويعلن وقوفه إلى جانب الحوثيين، لم تكن معزولة عن محطات أخرى سبقتها، تمثلت الأولى برفض حزب الله وحركة أمل إجراءات قاضي التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت، والثانية أحداث الطيونة التي اتخذت مظهراً طائفياً بين حزب الله والقوات اللبنانية.
قرارات المملكة العربية السعودية، ومعها دول خليجية أخرى، بطرد سفراء لبنان واستدعاء السفراء الخليجيين في بيروت قد تبدو خطوات انفعالية، لكن الراجح أنها خطوات أولية ستتبعها خطوات تصعيدية أخرى، ولم تكن تصريحات قرداحي إلا "الشعرة التي قصمت ظهر البعير"، وكشفت قناعات سعودية بأنّ إيران، عبر وكلائها في لبنان، "التهمت لبنان"، لا سيّما أنّ القيادة الإيرانية لا تنكر ذلك، بل تتغنى بأنّ بيروت إلى جانب بغداد ودمشق وصنعاء أصبحت عواصم عربية تحت سيطرتها الكاملة.
تفاعلات أزمة قرداحي في لبنان تذهب باتجاهات مطالبات باستقالته من قبل خصوم وكلاء إيران، وتطورت لمطالبات أخرى باستقالة الحكومة، ويعتبر حزب الله وحلفاؤه استقالة قرداحي خطاً أحمر، وبالتزامن تبدو مؤسسات الدولة اللبنانية بحالة انكشاف وعدم القدرة على اتخاذ التصرف، وهو ما يفسر البيانات والتصريحات بعبارات دبلوماسية تؤكد على الأسف لما آلت إليه الأزمة، ومن الواضح أنّ استقالة قرداحي أو حتى استقالة الحكومة التي ولدت في سياقات ظهر فيها أنّ إيران تمسك بلبنان كله، لن تحل المشكلة لأنّ جوهر القضية في سياقات الصراع الإيراني ـ السعودي لم يحل، وهو تخليص لبنان من الاحتلال الإيراني.
وبالتزامن، فمن الواضح أنّ الأزمة تحولت إلى ساحة تجاذب بين بعض القوى السياسية اللبنانية، خاصة المسيحية، باتخاذ مواقف تتجاوز أزمة قرداحي، وتتضمن رسائل لطهران والرياض، في إطار استعدادات للانتخابات القادمة المتوقع أن تجري في آذار (مارس) من العام المقبل، ويبدو أنّ مواقف التيار العوني بهذا الخصوص هي الأضعف، على خلفية وقوعه في حرج بين متطلبات التحالف مع حزب الله، ومتطلبات وقوفه إلى جانب أبناء الطائفة المسيحية في لبنان، وقد أبرزت أحداث لبنان ومواقف القوات اللبنانية شخص "جعجع" بوصفه القائد اللبناني المتجاوز تمثيلاً للمسيحيين، بل لكل خصوم حزب الله، والقادر على حماية لبنان وضمان استقلاله.
سيناريوهات مستقبل الأزمة الحالية تتجاوز قضية قرداحي، بالاستقالة أو البقاء في الحكومة، وتتجاوز استقالة الحكومة أو استمرارها، رغم الموقف الأمريكي والفرنسي الذي يصر على ضرورة استمرار الحكومة خوفاً من الفراغ السياسي في لبنان، لكن المؤكد أننا سنبقى أمام حكومة ضعيفة مسلوبة الإرادة لصالح تحالف الرئيس ميشال عون مع حزب الله وحركة أمل، لا تملك حلولاً لأزمات لبنان، بما فيها الأزمة الاقتصادية الحادة التي تطال غالبية اللبنانيين من كافة الطوائف، في الوقت الذي لا يملك فيه حزب الله أيّ حلول واقعية قابلة للاستمرار في لبنان، في ظل عقوبات دولية متزايدة عليه وعلى لبنان، باستثناء حلول "إعلامية" على غرار سفن النفط الإيرانية، التي تغطي حاجات لبنان للطاقة لأيام فقط.
وفي ظل هذه الأوضاع، يبدو أنّ السعودية، ومعها دول الخليج، بعد أزمة قرداحي، تتطلع لما هو أبعد من الضغط السياسي على لبنان، وتحديداً حلفاء إيران، بانسحاب كامل من الساحة اللبنانية وتركها لإيران، لتجيب عن أسئلة اللبنانيين حول من هي الجهة التي تسببت بخراب لبنان وتفاقم أزماته، وأنّ عليها حل مشكلاته؟ وهو ما يعني توسيع القاعدة الجماهيرية اللبنانية التي ستتخذ مواقف أكثر تصعيداً تجاه حزب الله وحلفائه، لا سيّما أنّ التطورات الأخيرة في المشهد اللبناني، بما فيها أحداث الطيونة، أعادت مجدداً طرح قضايا السلاح في لبنان، وإرهاصات الحرب الأهلية على خلفية تصاعد مؤشرات الطائفية، وربما السؤال الأهم، وهو اختطاف لبنان كله لصالح المحور الإيراني، في الوقت الذي يدرك فيه اللبنانيون أنّ طهران لا تنظر إلى لبنان إلا من زاوية كونه ورقة تفاوض مع أمريكا.
-----------------------------------
نقلا عن حفريات