د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

جيلنا بين الحلم والضياع !!

أجيال كثيرة ضاعت بسبب الحروب في اليمن وسنظل قي دائرة الضياع طالما استمرت تلك الحروب مشتعلة ولا أدعي أن جيلنا وحده كان وحده يحلم بمستقبل زاهر وواعد فالأجيال التي سبقتنا كانت لها نفس الأحلام وربما أكثر منا الفرق بيننا وجيل الآباء والأجداد هو التعليم فقد حضينا بفرص أفضل منهم ولكنهم رغم حرمانهم من التعليم اللهم إلا من كان منهم سعيد الحظ في زمانه فكان الحد الأعلى والمتاح أمامه هو تعلم القراءة والكتابة وختم القرآن الكريم ومن يحظى بتلك الفرصة فيعتبر محظوظا في ذلك الزمان العسير والشاق ولا يعفيه النظام القبلي من خدمة القبيلة ويستدعى للحرب والنزال ليلا أو نهارا إذا نادى المنادي !!
ورغم انتشار الجهل وانعدام التعليم الحديث في زمن الآباء والأجداد إلا انني أجزم أن الله سبحانه وتعالى قد منحهم عقولا راجحة وحكمة وحصافة أكثر من جيلنا تعويضا لما فقدوه من علوم حديثة !!
ولكن "البعض "من جيلنا والذي قبلنا أسقطوا كل تلك المعايير الصارمة التي كان يلتزم بها من سبقونا ورغم انتشار الحروب والغزوات والغارات و الحروب القبلية البينية إلا أنها كانت تخضع لأعراف وقواعد صارمة منذ العهد الجاهلي وكانوا يلتزمون بها والإخلال بها يعد انتقاصا ومسبة عند سائر العرب ومن ذلك عندما رفض أبو جهل اقتحام بيت النبي صلى الله عليه و سلم خوفا من فضيحة ترويع نساءه !!

والجاهليون قديما غير الجاهليين اليوم...الجاهليون في هذا الزمان تخلوا عن القيم العربية الأصيلة مثل : الصفح والتسامح والمروءة وحل مكانها الحقد والانتقام ويتساوى فيها الجاهل والمتعلم على حد سواء أما الجاهليون قديما فكانوا يرون مثلا أن ترويع النساء و اقتحام البيوت أخلاق ذميمة تجلب العار ومن ذلك عندما اختار كفار قريش رجلا من كل قبيلة ليقتلوا النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم، باتوا واقفين على باب بيته طول الليل ينتظرون خروجه للصلاة، و لم تسول لهم أنفسهم اقتحام البيت، و حينما طال الانتظار و قال أحدهم :" لنقتحم عليه داره"، رد عليه أبو جهل قائلا :" لا تتحدث العرب أني أروع نساء محمد " !
وما نراه اليوم وما يحدث في اليمن عامة شماله وجنوبه شرقه وغربه أسقط كل تلك الأعراف " الجاهلية " التي كانت سائدة قديما عند العرب و تمارس المليشيات اليوم كل أشكال القتل والترويع والانتهاكات دون حياء ولا خجل تحت شعارات إسلامية وصرخات حوثية وترفعها زورا وبهتانا باسم آ ل البيت وهم براء منها !!
كانت الحروب قديما مواجهة، فارس أمام فارس، أو يلتحم الفرسان مع بعضهم البعض وتظهر من خلالها شجاعة الشجعان، و نبل المحارب الذي لا يطعن جريحاً ولا يقتل طفلاً، ولا يغتصب امرأة ولا يحرق شجرة آو بيتا . وقبل ذلك كانت هذه الأخلاق هي وصايا الخلفاء الراشدين لقادة الجيوش الفاتحة والمبشرة بالدين الحنيف، ولكن عندما اكتشف أو تم تركيب المنجنيق، بدأ الأمر يأخذ طوراً آخر، ولم تعد للفروسية ميادينها، إنما تقهقر الفارس أمام الرامي المحصن وسقط مضرجاً بدمائه، وقبل المنجنيق كانت كرات النار التي ترمى من بعيد وتلتهب النار فتكفي الأعداء شر الفرسان ورغم ذلك بقيت أخلاق الفروسية زمناً تمثل النبل والكرم والشجاعة، لكنها قد أصبحت اليوم تراثاً في أغلب بلدان العالم، وأصبح الحديث حديث العلم والزمن، ولم يعد السلاح سلاح مواجهة ولا حتى رماة مدافع أو دبابة، أصبح الأمر أخطر وأكبر من ذلك بكثير، ولم يعد الإنسان يقول تمدَّنا وتحضَّرنا وراح زمن الحروب، بل حتى بعد نهاية الحروب لا يمكن أن يقال: الحرب انتهت، إذ إن الإنسان في صراع دائم حتى بعد انتهاء الحروب التي تبقى مخلفاتها، من المعاقين والأرامل والأيتام ، ومن ذلك فقد شاهدت برنامجاً عن الألغام للأفراد لمتحدث عسكري غربي ، كان يقول : نحن نحرص على أن يكون المعاقون والمرضى نتيجة الحروب أكثر من الموتى، لأن أولئك يكلفون العدو الكثير!!
إذاً لا مجال للفروسية لا أخلاقاً ولا أعمالاً. وخاصة عندما يكون الأطفال وقوداً للحروب فهم إما اغتيلوا أو شُوهوا.. ولله درهم كيف يعيشون اليوم وقد رأوا آباءهم يُمزَّقون أمام أعينهم وهذا ما يحدث في اليمن اليوم الذي أسقط المتحاربون فيه كل معايير الفروسية والنبل والشهامة والعفو عند المقدرة التي كانت وسام فخر على صدور العرب حتى في الجاهلية الأولى وجاء ت أجيال جديدة افتقدت كل معايير الرحمة والخوف من الله ونسيت في عز قوتها وغطرستها وجبروتها وعلو سهامها في الحياة الدنيا ونسيت قوله تعالى:
(وَلَا تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلْطَٰنًا فَلَا يُسْرِف فِّى ٱلْقَتْلِ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورًا)
صدق الله العظيم
الإسراء – الآية 33