فاروق يوسف يكتب:

ليست المشكلة في سيف الإسلام القذافي

سيف الإسلام القذافي مواطن ليبي غير أنه حين يترشح لرئاسة ليبيا فإنه يحمل ارث مرحلة غادرها الليبيون أو ما يُفترض أنهم قد فعلوه.

ألا يكفي ذلك سببا مقنعا لرفض ترشحه أو على الأقل عدم التعامل معه بطريقة جادة؟ لن تكون الأمور بمثل ذلك الوضوح في ليبيا التي تسعى إلى انتزاع نفسها من عشرية لم تكن أفضل حالا من الأربعين سنة التي حكم فيها القذافي الأب.

ولكن مهما قيل عن الحنين إلى زمن الجماهيرية الخضراء فإن الفوضى التي عاشتها ليبيا بعد مقتل القذافي لم تكن وليدة انهيار نظامه، بل كانت في الجزء الأعظم منها من صنع النظام الذي أخذ معه قدرته على ضبط الأمور وفرض سلطته عن طريق القمع.

كان هناك شعب خائف جرى تدجينه في سياق فوضى منضبطة عبر أربعين سنة من الانفلات المصحوب بالقبضة الحديدية التي لا ترحم. بمعنى أن الفوضى التي انزلق إليها الشعب الليبي هي انعكاس لسلوك كامن كان نظام القذافي قد أرسى قواعده باعتباره نوعا من التحرر من النظام السياسي العالمي.

هل هناك مَن ينكر أن سيف الإسلام هو ابن تلك المدرسة الذي كانت له حصة في ابتكار عدد من دروسها التي سيكون وفيا لها؟

ولست هنا في مجال التحذير من إمكانية فوزه في الانتخابات فالرجل مطلوب للجنائية الدولية استنادا إلى تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وهو ما يمكن أن يشكل عامل تشكيك في مصداقيته. غير ان الترشح في حد ذاته واقعة تدعو إلى الدهشة. ذلك لأنها تشير إلى واحد من أمرين. اما أن سيف الإسلام هو رجل معتوه لا يفقه شيئا ومرت به الأحداث العجاف التي عصفت بنظام والده ولم يتعلم منها درسا ينفعه، أو أنه يعتقد متأثرا بفلسفة أبيه أن الشعب الليبي لا يستحق أن يُلتفت إليه بسبب تخلفه وعدم قدرته على هضم المعاني العظيمة التي انطوى عليها الكتاب الأخضر الذي يصلح أن يكون انجيلا للشعب السويدي على سبيل المثال.

في الحالين فإن سيف الإسلام لا يمكن التعامل معه باعتباره إنسانا سويا يمكن أن يؤدي نصحه إلى نتائج جيدة. فالرجل الذي لا يُلام إذا كان والده هو قدوته لا يمكن النظر إليه إلا من جهة انفصاله التام عن الواقع ولن يكون جنون العظمة سوى ملمح واحد من ملامح شخصيته المريضة وهو الذي عاش حياته كلها ابنا للأخ القائد الذي تجاوز إلهامه ليبيا إلى القارة الأفريقية بعد أن عجز العالم عن استيعاب قدراته الخارقة.

وقبل أن تقوم الثورة عليه كان القذافي قد وصل إلى مرحلة بدا فيها رجلا ميؤوسا منه. حاول الكثيرون إصلاحه يوم كان شابا غير أنهم نفضوا أيديهم عنه. لقد أدرك الجميع أن الأوهام قد تمكنت منه وأنه بات سجين عالمه المغلق المسكون بالآلاف من صوره. وليس سيف الإسلام سوى واحدة من تلك الصور المشوهة التي تشبه إلى حد بعيد السخرية التي تظلل محاولة استعادة التاريخ على صفحة الواقع.

لا يقف الشعب الليبي أمام صورة مستعارة من شباب القذافي حين تصدمهم فكرة ترشح سيف الإسلام لانتخابات الرئاسة. الصورة أسوأ بكثير. فمعمر الشاب كان أفضل من القذافي الشيخ الذي تمنى الكثير من أصدقائه رحيله وتفوقوا في ذلك على أعدائه.  

في التعامل مع سيف الإسلام علينا أن ننظر إليه من حيث انتهى القذافي الأب فهو خلاصة عصر أبيه. ولكن ما ينبغي علينا أن نتجاوزه هو ذلك العصف المجنون الذي حدا بسيف الإسلام إلى التفكير بأنه الشخص المناسب لإنقاذ ليبيا وشعبها ونفكر بالملايين التي يتألف منها الشعب الليبي والتي لم تُظهر أي شعور بالأسى على نفسها في مواجهة حدث هو في منتهى الرثاثة والمتمثل برغبة القذافي الابن في أن يكون رئيسا. فما هذه الـ"ليبيا" التي لا تتعلم من الألم ولا تربي شعبها على النظر بأمل إلى مواهبه ولا تبدي أي استعداد لمغادرة الماضي الذي دمر احلامها في بناء أمة؟

من الصعب أن يُلام سيف الإسلام على ما فعله فهو رجل غير مؤهل لفهم ما لا يعجبه. أليس هو ابن معمر القذافي المقرب؟ تلك وحدها صفة تكفي للتعريف به مجنون حكم وطاغية معلبا. ولكن الشعب المغيب هو المُلام. أربعون سنة كانت كافية لخلق شعب تصعب عليه الثقة بنفسه. شعب لا يتوقع أنه سيكون فعلا مصدر السلطات ويحكم نفسه بنفسه.

ليست المشكلة إذاً في سيف الإسلام.