د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

سنغافورة وقطر بين البناء والهدم !!

في عالمنا اليوم توجد عوامل ومفارقات غريبة وعجيبة ومن ذلك بعض الدول والشعوب التي وهبهم الخالق جل وعلا من الثروات الطبيعية الهائلة تكفيهم هم وأجيالهم لسنوات طوال والبعض من تلك الدول تبدد ثروات شعوبها في التدخل في شؤون الدول وقلب أنظمة الحكم فيها ، وهناك دول حرمت من الموارد الطبيعية فاستثمرت إمكاناتها في بناء الانسان ، وفي هذه العجالة سنقدم لكم تجربتين لدولتين في العالم الأولى سنغافورة والثانية قطر.
تُعدّ جمهورية سنغافورة بلداً بالغ الصغر من ناحية المساحة. فمساحتها عند نيل الاستقلال عام 1965، لم تكن تتجاوز نصف مساحة البحرين، أو عُشر مساحة إمارة دبي. كما أنها لا تمتلك أي موارد طبيعية على أراضيها. وليس فيها نفط ولا غاز ولا تملك أي ثروة معدنية ، وقد نالت استقلالها في وقت يعُجّ بالاضطرابات في منطقة تفتقر للاستقرار السياسي. ومما زاد الطين بلة، احتوائها على نسيج سكاني متعدد الأعراق. حيث يمثل الصينيون منه ما نسبته 75% بالمئة، في حين يمثل المالايو 15% والهنود 8%. وأقلية عربية من العرب الحضارم وبالنسبة للمعتقدات هناك مزيج شديد التنوع يضم المسلمين والمسيحيين والهندوس والبوذيين وغيرها من الأديان والطوائف. وكان يتوقع المراقبون الخارجيون أن سنغافورة لن تقوم لها قائمة، وأن سبب فشلها سينتج عن ضغط خارجي أو اضطراب داخلي. لكن وعكس كافة توقعاتهم، أصبحت سنغافورة الدولة الأكثر نجاحاً في تاريخ البشرية الحديث.
تستخدم الحكومة السنغافورية اختباراً تنافسياً بين مواطنيها لضمان ألا يحصل على المِنح الحكومية المرموقة إلا أصحاب المواهب والكفاءات العالية ، فالبلد الذي يرسل أكبر عددٍ من الطلاب غير البريطانيين إلى جامعتي أكسفورد وكامبريدج، هي دون شك الصين، أكبر دولة من ناحية عدد السكان لاحتوائها على 1.4 مليار نسمة. إلا أن المثير للدهشة هنا هو أن تَحِل سنغافورة في المرتبة الثانية من ناحية عدد الطلاب المُرسلين لهاتين الجامعتين !!
والسؤال الذي يطرح نفسه هو :
كيف أصبحت سنغافورة، وهي مجرد جزيرة صغيرة في جنوب شرق آسيا، لا تملك أي موارد طبيعية، واحدة من أكثر الدول تطوراً في العالم؟ وكيف تمكّن نظامها الحكومي وبنية السياسات القائمة فيها من إنشاء أهم الاقتصادات وخلق أكثر المجتمعات نجاحاً على مستوى العالم في غضون بضعة عقود لا أكثر؟ ما هي "الخلطة السرية" الكامنة وراء نجاح سنغافورة؟ يكفي للمرء أن يلقي نظرة على المكوّن الأساسي لهذا النجاح، ألا وهو: النظام القائم على الجدارة. فمن خلال مزيجٍ فريدٍ من السياسات التي تمنح الأولوية للجدارة والكفاءة ، تمكنت سنغافورة من تطوير نظام تعليمي مُنصِف للجميع، وخدمة مدنية عامة متقدمة تضمن فعالية العمل الحكومي، وترفع مستويات الإنتاجية الوطنية، وتحقق التنمية المستدامة، وتُرسي التماسك المجتمعي. لقد كان نظام الحوكمة بالجدارة حقاً، بمثابة الريح الدافعة لأشرعة سنغافورة نحو التقدم. لمحة سريعة وفي مقارنة سريعة بين سنغافورة ودولة قطر الغنية ولكنها متخلفة ولا تقارن بأي حال بتقدم سنغافورة ، و من السمات المتشابهة بين قطر وسنغافورة أن الدولتين جزيرتان ومساحة كليتهما صغيرة، سنغافورة نحو 710 كلم مربع وقطر 11 ألف كلم مربع، والدولتان عانتا الفقر المدقع قبل 30 عاماً ثم أنعم الله عليهما بالنعمة فأصبحتا من أغنى دول العالم غير أن قطر تمتلك مصادر ثروة طبيعية هائلة تجلب لها المال دون أن يجد ويجتهد أهلها في العمل والبحث عن الرزق، في حين لا تمتلك سنغافورة إلا الثروة البشرية التي نجح حكامها في الاستثمار بها من خلال أرقى مستويات التعليم، وهو ما قاد إلى تحقيق هذا التقدم الاقتصادي والصناعي الراقي لسنغافورة، في حين اكتفي حكام قطر بدخل الغاز وغيره من الثروات الطبيعية ولم يحاولوا أن يجعلوا من دولتهم دولة صناعية وتكنولوجية متقدمة، إما عن جهل وإما في إطار مخطط يدركون أبعاده تماماً، كيداً وانتقاماً، وهو ما لم تفعله سنغافورة ولا يمكن أن تفعله، لأنها دولة راقية ومتحضرة، وهذا هو الفرق بين الجهل العربي والوعي والذكاء الآسيوي !!
د. علوي عمر بن فريد