فاروق يوسف يكتب:

نزهة في الخراب اللبناني

الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليس ساذجا. ولكنه في المسألة اللبنانية يبدو مغلوبا على أمره أو كما لو أنه قرر أن ينظر بعيني سياسي لبناني. فمن غير المعقول أن يصدق ساكن الاليزيه أن جورج قرداحي يشكل رقما مهما في تلك المسألة.

وإذا كانت مشكلة لبنان يُمكن حلها بالمساعدات المالية فهل من الضروري أن تلجأ فرنسا إلى دول الخليج والسعودية للقيام بذلك، لمَ لا تحلها بنفسها؟ فرنسا ليست دولة فقيرة.

ولكن القراءة السياسية الواقعية تختلف عن الحقيقة.

يحاول ماكرون أن يكون واقعيا عن طريق بعث الحياة في الجثة اللبنانية الميتة التي يعتقد حزب الله أنه قادر على احيائها، ولكن عن طريق ضخ مزيد من أسباب الموت فيها.

شيء من اللامعقول الإيراني الذي يمتلك ماكرون خبرة جيدة فيه. وبالرغم من تلك الخبرة فإن الرئيس الفرنسي لا يزال ممتنعا عن إزعاج إيران. ألأنه يرغب في تلطيف الاجواء لا تعكيرها في ظل مفاوضات فيينا؟ ولكن لا مستقبل للمال في لبنان في حال استمر حزب الله في التلويح بسلاحه غير الشرعي في وجوه الآخرين بعد أن أنهى عملية السطو على المصارف.

الصورة لا ينقصها شيء من عناصرها الأساسية. وليس هناك سر مخفي بعد أن عصف الانفجار العظيم بنصف الجزء التاريخي من بيروت ما عدا أن الحكومة ستظل عاجزة عن الاجتماع إلا بعد أن يُطرد القاضي طارق بيطار من منصبه ويُطوى ملف بتلك الكارثة. 

في السابق حاول ماكرون أن يكون بطل الانقاذ الذي جاء متأخرا بعد أن حلت الكارثة، ولكنه على الأقل حضر وفي جعبته مشروع انقاذي جاهز يقوم أصلا على فك ارتباط لبنان بواقعه السياسي المحبط. يومها قال الرجل كلاما فيه قدر من القسوة لم تتوقع الطبقة السياسية أن أحدا سيجرؤ على أن يصفعها بها.

ولكن أثر تلك الصدمة سرعان ما تبخر وحل محله ارتخاء سيتحول إلى سخرية من ماكرون ومشروعه.

كل ما قاله ماكرون في حماسته الأولى كان صحيحا غير أنه أخطأ الذهاب إلى الحقيقة المرئية التي لا تخطئها عين. لم يهدم حزب الله العقد الاجتماعي الذي تستند إليه دولة لبنان حسب، بل وأيضا امتدت يده إلى الدولة وعبثت بها وجردتها من كل أسباب قوتها.

تلك كانت العقبة التي لم يجتازها ماكرون ففقد مصداقيته وذهب بمشروعه إلى الفشل. لم يعد امامه يومها سوى أن يستجدي الأموال من أجل لبنان. ولم يكن قرداحي يومها قد غادر عمله التلفزيوني بشكل نهائي كما أظن. لذلك لم يكن الرئيس الفرنسي قد سمع باسمه.

فشل ماكرون لأنه لا يرغب في أن يحط يده على موضع الألم. وصفته العلاجية لم تنفع لأن صفته رئيسا لفرنسا لا تسمح له بالتوجه إلى حارة حريك حيث قيادة حزب الله. كما أن ادانته لفساد الطبقة السياسية لم تكن ذات أثر لأن الفساد في لبنان صار بعد تطبيعه ظاهرة فلكلورية ليس في إمكان فرنسي يتفاخر بقيم ومبادئ الثورة الفرنسية أن يتفهم أهميته وضرورته في نظام سياسي يقوم على الوراثة السياسية.

ولولا قرداحي لما ظهر ماكرون على الساحة اللبنانية مرة أخرى. لذلك صار مهما أن يوجه قرداحي التحية إلى ماكرون من خلال استقالته. وفي المقابل فإن الرئيس الفرنسي سيبادل الوزير المستقيل الاعجاب بالإعجاب. اما عن الكلام الذي سمعه في ابوظبي وجده فلا أحد يمكنه التأكيد على أن البيانات الرسمية قد عبرت عنه.

يُقال إن السعودية ومن خلفها دول الخليج لم تعد ترى في استقالة قرداحي حلا بسبب تأخرها. ذلك كلام ليس صحيحا. قبل قرداحي كان هناك انسحاب سعودي واضح من الساحة اللبنانية بسبب هيمنة حزب الله التي هي عبارة عن احتلال إيراني مقنع. ولقد أكد الإيرانيون مرارا وتكرارا أن لبنان بإطلالته على البحر المتوسط صار جزءا من ممتلكاتهم.

كان قرداحي سببا لأزمة دبلوماسية ليس إلا.

ولو افترضنا أن ماكرون قد أقنع السعودية ودول الخليج بالعودة باستثماراتها إلى لبنان، فهل ينطوي ذلك الاجراء على حل لمشكلات لبنان التي باتت رهينة بسلاح حزب الله الذي هو سلاح إيراني فالت، حتى هذه اللحظة لا تبدي الولايات المتحدة أية رغبة في لملمته واعادة الاعتبار إلى الدول التي فقدت سيادتها تحت تأثيره.  

واقعيا فإن السعودية ودول الخليج وإن كانت لا ترغب في احراج ضيفها الفرنسي غير أن عودتها إلى لبنان صعبة.