عمر الرداد يكتب:
الملف الإيراني في جولة ولي العهد السعودي الخليجية
رغم أنّ جولة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لدول مجلس التعاون الخليجي، ولقاءاته مع القادة الخليجيين ركزت على بحث (3) ملفات؛ وهي: العلاقات الثنائية بين السعودية ودول الخليج في الجانب الاقتصادي، بالإضافة إلى إعادة اللُّحمة لمؤسسات مجلس التعاون الخليجي، بعد غياب دورها منذ الخلاف الخليجي عام 2017، إلّا أنّ الملف الثالث مرتبط بالوصول إلى موقف موحد لدول الخليج تجاه إيران، لا سيّما بعد الحديث عن صفقة جديدة محتملة بين إيران والغرب .
مستقبل المفاوضات الإيرانية مع القوى الغربية، وما تتضمنه من احتمالات بكلا الاتجاهين، "نجاحها أو فشلها"، أو حتى مراوحتها مكانها واستمرار مقاربة "عضّ الأصابع"، وعنوانها "لا حرب ولا سلام"، وتداعيات هذه السيناريوهات، تشكّل إحدى أهمّ المرجعيات التي يمكن على أساسها تفسير ما تشهده المنطقة من تحولات عميقة، بما فيها جولة ولي العهد السعودي، "رغم خصوصيتها الخليجية"، والتحولات العميقة التي تشهدها اتجاهات السياسات التركية بإجراء مصالحات مع خصوم أنقرة، وما يبدو من انفتاح إيران على محيطها الإقليمي.
مرجعيات بناء استراتيجية خليجية لمواجهة تداعيات المفاوضات الإيرانية تنطلق من قناعات مضمونها: أنّه رغم ما تبدو عليه الصورة اليوم بأنّ مفاوضات إيران مع الغرب تمّ استئنافها بسياقات جديدة، عنوانها سيطرة المرشد الأعلى للثورة "على خامنئي" على مفاصل الدولة، وانطلاقها مع مقاربة استمرار مقاربات "عضّ الأصابع" لتحقيق مكاسب أكبر من قبل طهران والأطراف الأخرى، إلّا أنّ قناعات في المنطقة تترسخ بأنّ صفقة إيرانية قادمة مع أمريكا والغرب، رغم مخرجات التصعيد الذي تبثه وسائل الإعلام عبر تصريحات إيرانية وأخرى أمريكية وإسرائيلية، وهو ما تؤكده الحوارات بين تل أبيب وواشنطن، والتصريحات التي تصدر عن أطراف عديدة حول نتائج جولة المفاوضات الحالية، وعلى رأسها تأكيد جدية إيران بالمفاوضات.
ورغم الحديث الدبلوماسي بين العواصم الخليجية، وفي مقدمتها الرياض، من جهة، وواشنطن من جهة أخرى، عن متانة العلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة، وأنّها علاقات استراتيجية، إلّا أنّ المؤكد هو أنّ هناك مساحة تتوسع من الشكوك بمواقف واشنطن ودوائر صنع القرار في السعودية والخليج، وهو ما يفسّر هذا الانفتاح السعودي الخليجي على روسيا والصين، وحتى على دول أوروبية منها فرنسا، التي عقدت معها الإمارات اتفاقيات لشراء أسلحة بقيمة تصل إلى (17) مليار دولار، بالتزامن مع اتفاقات أخرى للعواصم الخليجية لشراء أسلحة روسية وصينية.
واضح أنّ السعودية، ومعها دول الخليج، تدرك أنّ تداعيات صفقة جديدة منحازة لإيران "على غرار صفقة 2015" سترتب أعباء أمنية ضخمة عليها، خاصة إذا لم تعالج هذه الصفقة جوانب الخلل التي أظهرتها الصفقة الأولى، وتحديداً عدم معالجتها للبرنامج الصاروخي الإيراني، والطائرات المسيّرة لاحقاً، والتدخل الإقليمي الذي يمارسه الحرس الثوري الإيراني، وما أعلنته إيران مراراً من سيطرتها على (4) عواصم عربية؛ "بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء" كما تدرك دول الخليج مخاطر عدم التوصل إلى صفقة، واستمرار سيناريو الوضع القائم، وهو ما يعني استمرار أسباب التهديد للأمن الاقليمي لدول الخليج، بما في ذلك استمرار حروب الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيّرة، وتداعيات كلّ ذلك على خطط ومشاريع التنمية الاقتصادية والاستثمار الضخمة التي يتمّ التخطيط لها خليجياً، غير أنّ السيناريو الحاضر الغائب في علاقات إيران مع الغرب هو أن يتمّ التوصل إلى صفقة تأخذ بعين الاعتبار المطالب والحسابات الأمنية الإسرائيلية، وهو ما يبدو أنّ إيران تدركه، ولا تعارضه، رغم خطابات التشدد الإيراني المتضمنة التهديد بـ "مسح إسرائيل من الوجود"، وألّا تلتفت تلك الصفقة لمصالح دول الخليج، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات عودة إيران على المدى البعيد إلى "إمبراطورية الشاه" بصيغة جديدة، عنوانها إمبراطورية "المرشد الأعلى"، وهو ما يتوافق مع براغماتية أمريكية معروفة تاريخياً، وقد ظهرت تجلّياتها بصورة واضحة مع الديمقراطيين.
مؤكد أنّ توافقات تمّ التوصل إليها بين السعودية ودول الخليج، عبّرت عنها البيانات المشتركة التي أعقبت محطات زيارة ولي العهد السعودي في العواصم الخليجية، بما فيها الموقف من الأزمة اللبنانية، ومن المؤكد أيضاً أنّ القواسم المشتركة بين الرياض وعواصم دول الخليج الأخرى تجاه الملف الإيراني تزداد، رغم مستوى العلاقات الإيجابية لكلٍّ من سلطنة عُمان ودولة قطر مع إيران، التي تختلف عن علاقات كلٍّ من الرياض وأبو ظبي والمنامة، إضافة إلى الكويت، مع طهران، ومع ذلك فإنّ الأخطار الاستراتيجية تشمل دول الخليج بوصفها وحدة واحدة، بعيداً عن المرجعيات الرومانسية العروبية والإسلامية.
---------------------------
المصدر| حفريات