د.علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

أحلام معلقة على جدران الوطن

رغم رحيل عشرات الألوف من أبناء الوطن الجنوبي منذ الاستقلال مرورا بالحكم الدموي للحزب الاشتراكي الذي كان ولا زال رغم عثراته وانتكاساته لا زال  مهووسا بالوحدة اليمنية ليس حبا في استعادة حضارة اليمن الضاربة في أعماق التاريخ ولكن للهيمنة على مقدراته وتطبيق تجارب الحكم الاشتراكي الذي فشل في عقر داره وهو السبب الأول والأخير في ضياع الجنوب !!
ومنذ أن وعينا على الدنيا ونحن نسمع تلك الشعارات التي فرقتنا ومزقتنا وانخدع بها  الآلاف من أبناء الجنوب  ، وكنا منذ مطلع شبابنا  رغم قلة عددنا إلا أننا كنا نرفضها ونقدر حكمة الآباء والأجداد في رفضها من قبل !!
ورغم رحيلنا عن أرض الوطن فما زالت  أحلامنا  معلقة وإن لم تتحقق، تبقى صامدة على الجدران، ككلماتٍ وأشعار، رسوم، عبارات ؛ أبت أن تسمح للزمان مسح أثارها، التصقت بتلك الأمكنة، التي قد غادرها أصحابها رغمّا عن قلوبهم وأوطانهم، الذين قد قضوا غالبية سنين حياتهم بين هذه الجدران ذهابا وإيابا، قد خلدوا ورائهم الماضي المرصع بطموحهم وبطولاتهم، والأحداث التي واكبوا ظروفها وتعايشوا مع نتائجها؛ رغم خبايا الظلم الذي استوطن أوقاتهم، ورغم الحصار الذي فرض عليهم سلطته وحرمهم من أيامهم !!
ورغم ذلك كله فما زال الوطن كلمة قوية يرن صداها في أسماعنا  وتفجّر في أعماقنا ألاف الأحلام وعالقين في بلاد المنفى البعيد أمام دنو شمس المغيب، وبحرٍ لا يشبه بحر العرب ولا خليج عدن  رغمّ الألم المحترق في شراييننا، رغمّ الحرب والحصار والتجويع  الذي أراد من خلاله تجار الحروب كسر ارادتنا  وأن تتضخم أرصدتهم وأموالهم الحرام التي اكتسبوها من آلامنا  وجراحاتنا ، ورغم ذلك كله  لم نخضع ولم ننكسر وسيبقى
في ذاكرتنا  لكلّ جدارٍ عتيقٍ قصة، لا يعرف حقيقتها سوى أصحابها، لكلّ بيتٍ همساتهم في الليل الحالك وطقوسهم وأحلامهم التي تنسجها أمانيهم وصلواتهم، إلى كلّ شيء ونسأل كبارنا : هل ترجع الذكريات، ونعيدُ ترميم ماضينا الجميل؟
من سيعيدها لنا؟
ربما الأحاسيس والمشاعر هي التي ما زالت تؤمن بالذكريات؛ باسترجاعِ اللحظات حين يغفو العقل بعيدا عن الواقع،  رغمّ الألم الذي يعتصر في داخلنا ويرتطّم، وقد يضجّ العقل بالماضي، ويحاول أن يلتصق بالأحلام المقتولة  ونبقى غائبون في زمنٍ قد انتهى، لكنّ طياته كانت بالنسبة لنا الأمل والجمال والحياة التي بنتها طفولتنا ، فالذكريات ستبقى كالحكايات لا ينقصها العمر، ملامحها تتناقل كالنصوص وتسرد في الروايات؛ وسنكون يوما ما أبطالها لننقل للقارئ تفاصيل حياتنا من طفولتنا إلى اللحظات الجميلة الممزوجة بالألم وإلى ذكرى الرحيل الذي أرغمنا على مغادرة بلادنا الجميلة المغتصبة وينهبها  الكبار وتدمرها حروب المصالح المشتركة !!َ
بهذه التفاصيل التي احتوت أحلامنا سيخلدنا التاريخ ويعطي لأرواحنا البقاء في الحروف حينما نكتب كلّ الذكريات بمخطوطاتٍ تحتضن عمق مشاعرنا، وترتعش بها أجسادنا حين تذكّرها. فكيف لكلّ هذه الذكريات الباقية أن يكون الزمن ممحاة لبصماتها؟!
د. علوي عمر بن فريد