خالد سلمان يكتب:
الرئيس الزبيدي والخيارات الثلاثة
حديث رئيس الانتقالي لقناتي الحدث والعربية يوم الخميس، فيه الكثير مما يستحق التوقف أمامه، هناك تغيير في النظر لماهية الصراع، ومغادرة التخندق الذهني حول هدف واحد، وتخفيف، إن لم يكن إنهاء، اللغة الحدية ضد الشمال، والذهاب خطوة أبعد في الالتزام بتحريره، مع عدم إسقاط حق الجنوب في استعادة دولته، في حدود ما قبل عام 90 بكامل حدودها الجغرافية غير المنقوصة.
تجديد هذا الموقف الانتقالي يحيلنا إلى البحث عن ضمانات ما بعد دحر الانقلاب، هل هو رؤية منفردة لقيادة الانتقالي، أم نتاج مشاورات مع التحالف، تحت عنوان تحرير الشمال مقابل استقلال الجنوب؟
في السياسة ليس كل شيء يُقال علناً، لكن من الطبيعي أن مثل هكذا طرح لرئيس الانتقالي ليس حرثاً في الفراغ، بل له ما يدعم حيثياته في مفاوضات الكواليس.
الأهم من ذلك، أن الانتقالي يغادر مربع تمترسه القطعي غير قابل للتفاوض، حول استعادة دولة الجنوب بالتصور الذهني المشاع، بعيداً عن كل المشاريع البديلة المطروحة لحل القضية الجنوبية، ليقدم نفسه في حديث الزُبيدي بصفة مغايرة، أكثر مرونة وانفتاحًا على المقاربات الأُخرى، والذهاب حد القول بإقرار آلية الحل وهو الاستفتاء (وهي مفردة كان طرحها، يستوجب التخوين والنبذ وقطع الصلة مع الانتماء للقضية، من قبل صقور القيادات بل وحتى الحواضن الشعبية)، وتقديم كل المشاريع الثلاثة للمواطن الجنوبي، ليقرر أياً منهم يراه مناسباً لتطلعاته، في صياغة كيانه الدستوري القانوني. كنا من خلال متابعاتنا لحوارات قادة ونقاشات قواعد الانتقالي، نرى أن هناك تجريمًا لأي محاولة لإعمال وتنشيط العقل، والتفكير خارج سرب استعادة دولة الجنوب، أو حتى حول الفكرة بتنظيرات مختلفة، وشيطنة الوسائل الديمقراطية لتحقيق ذلك الهدف، وتضخيم المخاوف من التغيرات الديمغرافية.
الآن ومن خلال حديث رئيس الانتقالي يوم أمس، نرى قدراً كبيراً من التحول في تأمل وقراءة المشهد، والقول بلغة غير مسبوقة، بأننا منفتحون على المشاريع الثلاثة: الدولة المستقلة، ودولة الإقليمين، أو الإبقاء على شكل الدولة المركزية، وأن من سيقرر ذلك هو المواطن الجنوبي عبر الصندوق وليس بالقوة القهرية. هل هو تراجع إلى الوراء؟ هل هو نتاج ضغوط إقليمية؟ في تقديرنا إنها المرونة السياسية، التي تعيد توصيف الراهن وتبدلات موازين القوى، والنفاذ إلى قلب التفاعلات الوطنية وما فوق الوطنية، مرونة تضع عربة المصلحة خلف قطار الحل المطروح، لا أمامه، مرونة لا تخلو من شجاعة مؤسسة على الحامل العسكري، وإنجازات القوات الجنوبية في الميدان، مع عدم استبعاد حقيقة أن التشبث بخيار من وجهة نظر أحادية متصلبة في ظل ممانعة إقليمية، لن ينتج حلاً متوافقاً عليه، وفي التفاوض لا يوجد كاسباً واحداً، بل شركاء يتقاسمون المكاسب ويصيغون الحلول المتوازنة.
دولة جنوبية، أم العودة لشكل الدولة الواحدة أم إقليمين؟ خيارات يحسمها المواطن الجنوبي ونتائج الميدان العسكري، مع ضمانات الإقليم، وآليته كما جاء في حديث الزُبيدي الاستفتاء. هل هو خروج عن النص التعبوي وتغيير المواقف؟ أتصور تعدد الأدوات يمنحك مساحة أوسع للمناورة والحركة، وطيف الخيارات يعزز الفكرة ولا يلغيها.