تاج الدين عبد الحق يكتب:

ثمن التساهل مع الحوثيين

قد تكون اعتداءات الميليشيات الحوثية على الإمارات، هي الضارة النافعة؛ فقد وضعت هجمات الطائرات المسيرة، ومن ثم هجمات الصواريخ البالستية، حدًّا لكل من كان يتشكك في مغزى مشاركة دولة الإمارات في تحالف دعم الشرعية في اليمن، ووصفها بأنها نوع من التورط في مسألة لا تعنيها..

كما أن هذه الهجمات يمكن أن تكون ردًّا واضحًا على أولئك الذين انطلت عليهم دعوى المظلومية، بعد أن تبين أن المشروع الحوثي له أهداف تتجاوز اليمن، وله أغراض تتعدى التنافس على السلطة.

لم تنظر الإمارات للانقلاب الحوثي منذ البداية على أنه خيار يمني، لا في وسائله ولا في أهدافه، وتعاملت معه كتحد للإقليم برمته، واعتبرت دائمًا، أن تقويض الشرعية اليمنية، كان رأس جبل الجليد الذي يتشكل من قوى محلية طائفية، وبدعم إقليمي معروف ومرصود، لتهديد أمن المنطقة واستقرارها.

لم يتطلب الأمر جهدًا كبيرًا ولا وقتًا طويلًا لإدراك أن للحوثيين امتداداتٍ، وأجنداتٍ تجعل من اليمن ساحة أخرى من ساحات الصراع الإقليمي، وميدانًا جديدًا من ميادين تصفية الحسابات السياسية والطائفية.

والذين كانوا يستغربون في بداية الانقلاب الحوثي، تفسير التدخل الإماراتي في اليمن ضمن قوات تحالف دعم الشرعية، على أنه دفاع عن الأمن الوطني الإماراتي، لا بد أنهم سيدركون الآن أن الإمارات كانت محقة في تفسيرها، وفي تقييمها، وأن الهجمات الحوثية على أبوظبي، أكدت صحة قراءة الإمارات المبكرة للأزمة اليمنية، لا باعتبارها شأنًا يمنيًّا خاصًّا، بل جزءًا من مخطط يستهدف المنطقة برمتها ومنطلقًا ومقدمة لأزمات أخرى تزعزع استقرار المنطقة وأمنها.

الهجمات الحوثية الأخيرة على أبوظبي لا تشكل في الميزان العسكري المجرد تهديدًا حقيقيًّا للإمارات، وهي ليست سوى محاولة حوثية للهروب إلى الأمام بعد الإخفاقات الأخيرة التي لحقت بهم في أكثر من ميدان من ميادين المواجهة مع المناهضين للانقلاب والمدافعين عن الشرعية.. ومع ذلك، فإنه لا يجوز التهوين من تلك الهجمات، أو التساهل معها.

تطاول جماعة الحوثيين على الإمارات، ومحاولة إرهابها، وابتزازها، لتغيير مواقفها المبدئية، من الأوضاع في اليمن، لا يجوز السكوت عنه، أو تبريره او تفسيره تحت أي عنوان.

والإمارات عندما بادرت لدعم الشرعية في اليمن، كانت تعمل في ظل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، التي أدانت اغتصاب السلطة في اليمن، باعتباره سببًا من أسباب اندلاع الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآلاف حتى قبل بدء التدخل الخارجي لدعم الشرعية، وحتى قبل صدور القرارات الأممية.

الإمارات عندما عملت ميدانيًّا مع التحالف الدولي لدعم القوات الشرعية من أجل احتواء انقلاب الحوثيين، لم تكتف بالدور العسكري فقط، بل دعمته بمجهود مشهود في إعادة الإعمار في المناطق التي استهدفها الانقلابيون، وأعادت تأهيل كثير من المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية في المناطق التي كانت تتواجد فيها القوات الإماراتية، بحيث باتت هذه المؤسسات قادرة ومؤهلة للتصدي وبقدراتها الذاتية لهجمات الحوثيين، ومنعهم من التوغل والتقدم في مشروعهم الانقلابي.

الإمارات لا تنكر ولا تتبرأ من دعمها للمؤسسات والقوى الشرعية في اليمن، وهو ما تفعله عسكريًّا وماديًّا منذ بدء التحالف الدولي لإنهاء الانقلاب الحوثي، وهي في موقفها هذا لا تختلف عن كثير من الدول في تعاطيها مع الأزمة اليمنية.

ولذلك، فإن مثل هذا الدعم أيًّا كانت نوعيته وطبيعته، لا يعطي للجماعة الحوثية ومَن يقف وراءها مبررًا لمهاجمة الداعمين للشرعية وإرهابهم، وإلا لكان ذلك مسوغًا للجماعات الإرهابية، لمهاجمة كل الدول التي تقدم المساندة السياسية والدعم المادي للقوى الشرعية.

الأخطر من ذلك أن الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيّرة عن بُعد، ليست قادرة على حسم المعارك ميدانيًّا، ولا حتى على تغيير ميزان القوى بين القوات المتحاربة على أرض المعارك، وهي ترمي – في أحسن الأحوال – إلى إرهاب الدول الداعمة للشرعية لتغيير سياساتها، والتخلي عن مواقف مبدئية بقوة الابتزاز السياسي، والإرهاب الأمني.

من هنا، فإن السكوت والتغاضي عن خطر تلك الهجمات وما تحمله من معانٍ سياسية، سيعني الرضوخ للإرهاب العابر للحدود تحت دعاوى سياسية، وتبريرات أيديولوجية، وهو إرهاب بتنا – بالتجربة المرة – نعرف الثمن الباهظ له، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه.