فاروق يوسف يكتب:

على حافة للنظام السياسي العراقي

غير مرة أنقذ مقتدى الصدر النظام السياسي القائم في العراق. لم يفعل ذلك حباً بالأحزاب الكبيرة المهيمنة على السلطة ولا بإيران وهي الطرف الوحيد المستفيد من بقاء ذلك النظام ولا رغبة منه في الإبقاء على غلبة الشيعية السياسية في الحكم، بل حفاظا على موقعه السياسي ومكتسباته الاقتصادية التي يعرف جيدا أنه ما كان له أن يحصل عليها لولا وجود ذلك النظام وأنها ستذهب مع الريح إن سقط النظام.

كان مقتدى الصدر بجيشه غير الشرعي رأس حربة ناعمة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية دائما. لا تزال مشاهد المجازر التي نفذها الصدريون في حق متظاهري عام 2019 حية في الاذهان والابصار. لقد فشلت الأحزاب والميليشيات وحكومة عادل عبدالمهدي في وضع حد للاحتجاجات عن طريق الاغتيالات واخمادها فقرر الصدر أن يحسم الموقف عن طريق حرب تشنها سرايا السلام وهي جيشه على المتظاهرين العزل لتفتك بهم. وهو ما حدث. 

يومها انقذ الصدر النظام بعد أن أسقط الشباب المحتج الحكومة. كان الصدر يرغب في الخلاص من حكومة ليست على هواه غير أنه تدخل من أجل أن يبقى النظام. فالنظام بالنسبة له هي ضمانته للاستمرار زعيما لملايين الفقراء الذين خدرهم المذهب وأطاح بعقولهم حب المسيرات الجنائزية. الصدر هو زعيم أكثرية عمياء لن تتمكن من أن تلعب دورا في تحديد سياسات النظام أو الانتباه إلى أخطائه القاتلة. فبالرغم من إنكار الصدر للطائفية فإن جمهوره قد وقع في فخ الطائفية الاجتماعية التي تعد اليوم واحدة من أكثر مشكلات العراق تعقيدا.

وحين فاز الصدر في انتخابات عام 2021 ظن الكثيرون أن ذلك الفوز سيضعف النظام من خلال اندحار الأحزاب الشيعية الكبيرة وهزيمة رموز الشيعية السياسية وفي مقدمتها نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري وقيس الخزاعي. ولكن ذلك الظن ليس صحيحا. ذلك لأن انتصار الصدر هو بمثابة تثبيت للنظام السياسي الذي تعرض للاهتزاز بفعل الضربات التي وجهت إليه بدءا من الاحتجاجات المليونية وانتهاء بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات. لقد أعاد فوز الصدر الاعتبار إلى النظام السياسي القائم على المحاصصة الذي يتزعمه الشيعة.

ما من فرق بين الأمس واليوم والغد.

مَن يحلم بفساد أقل سيخيب أمله. فالصدر سيثأر ممَن سعوا إلى تحطيم أسطورته المنتحلة من اسطورة أبيه التي هي الأخرى يشوبها الكثير من التزييف. وفي طريقه إلى تحقيق ذلك الهدف سينتقم من عدد من أتباع إيران ممَن عملوا طوال سنوات على تشويه سيرته وسيرة أبيه واتهامهما بنقص الأهلية والتخلف العقلي. لديه ولدى الجميع جرد بالأسماء. ما الذي سيفعله بعد ذلك؟ لا شيء. صحيح أنه سيرفع شعارات شعبوية قد تقود إلى فوضى من نوع جديد ولكنها سترسخ النظام باعتباره غطاء سياسيا وحيدا. فليس من حل سواه لتفادي الحرب الأهلية بين الطوائف التي سماها الدستور "المكونات". وهي كيانات صارت واضحة بعد حوالي عشرين عاما من الاحتلال وسقوط الدولة العراقية القديمة.

وإذا كان زعماء الأحزاب والميليشيات يعترضون على زعامة مقتدى الصدر للمرحلة السياسية المقبلة فلأنهم يشعرون بالخوف على مصائرهم الشخصية لا على مصير النظام الذي يكفل لهم كل شيء. ولتأكيد ذلك فإن إيران ليست قلقة على مصالحها في العراق، بل إنها مطمئنة إلى أن حكومة العراق في المرحلة المقبلة والتي يلوح الصدر بأنها ستكون "لا شرقية ولا غربية" ستكون خاضعة لأوامرها وأن ميليشياتها ستكون قادرة دائما على تعكير الأجواء واللعب بأعصاب القادة العراقيين، أيا كانت ميولهم.

المشكلة التي يواجهها الصدر ذات شقين. الشق الأول يتعلق بضبط نشاط ميليشيات الحشد الشعبي التي نشطت مؤخرا من أجل افشال محاولات الصدر التحالف مع ممثلي الطوائف الأخرى والشق الثاني يتعلق بمصائر زعماء الأحزاب الشيعية الذين تحوم حولهم شبهات الفساد. فهل سيكتفي الصدر بإنقاذ النظام ويتخلى عن تفاصيله وملحقاته بحيث يتمكن القضاء من القبض على الفاسدين الكبار في محاولة منه للبطش بخصومه؟ هو ما يمكن توقعه. لذلك لم تكن الأحزاب ولا الميليشيات متحمسة لبقاء النظام من خلال انتصار الصدر. لقد اعتبرته انتصارا مسموما. سيكون كذلك بالفعل إذا ما نجح الصدر في عقد تحالفات مع ممثلي السنة والأكراد الذين لن يتطلعوا إلا إلى مزيد من تقاسم الغنائم.

وبذلك لن يكون الصدر منقذا للشعب العراقي بقدر ما هو منقذ للنظام السياسي الفاسد.