هاني مسهور يكتب:
عدن وإن طال الزمن
لن تفارق عدن واقعية اللحظة السياسية الشرق أوسطية والدولية في القرن الحادي والعشرين مهما كانت المشوشات حولها. فالمقتضيات الواقعية تفرض حقيقة أن هذه المدينة هي مفتاح حل لأكثر من مجرد أزمة يمنية مكررة في متلازمة التاريخ البعيد حول صراعات البيت الزيدي وانقلاباته الداخلية في بيت لم يغادر بعد القبيلة ويعرف الدولة الوطنية حتى وإن كانت المملكة المتوكلية اليمنية هي الدولة الأولى ظهوراً عام 1918.
تمثل عدن في موقعها الجيوسياسي مفتاحاً منطقياً لا مناص منه واستحقاقاً لا يمكن اجتيازه فمنذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بعد قرار الزعيم المصري جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، تحولت عدن لمفتاح الشرق الأوسط ونافذته في الأمن القومي العربي، على اعتبار التكامل العروبي الذي جسدته الناصرية وحركة القوميين العرب في حقبة الريادة المصرية التي نسجت شكل العالم العربي منذ ذلكم الوقت فهذه هي الحقائق التي كانت ومازالت باقية بتأثيرها وأبعادها.
جلاء الاستعمار البريطاني عن عدن في الثلاثين من نوفمبر 1967 صنعَ خرائطَ المنطقة سياسياً وحدد الجغرافية السياسية بمنظورها الأمني على اعتبار أن أمن وسلامة مصر وشبه الجزيرة العربية مرتبط بالممرات المائية الملاحية الدولية بامتداد بحر العرب وخليج عدن وحتى نقطة الارتكاز عند باب المندب.
ومن هذه الجغرافية التكاملية، دفعت مصر الناصرية باتجاه دعم حركة التحرر الوطنية حتى تحققت في الاستقلال الأول لدولة الجنوب التي مكنت عملياً من حماية الأمن القومي العربي على مدار الدولة الجنوبية الأولى (1967-1990) بالتزام وانضباط عكسته التجربة والأحداث الكبرى بما فيها عبور الجيش المصري لقناة السويس في حرب أكتوبر 1973.
من بعد عام 1994 حدث الاختراق للأمن القومي العربي، فسقوط الدولة الجنوبية تسبب في الفراغ الذي ملأته صنعاء بالأفغان العرب ومنه تمكنت جماعات الإسلام السياسي السُنية عبر تنظيم «الإخوان المسلمين» من بسط سيطرتها على المعسكرات الأمنية، ووفرت الملاذات الآمنة لأفراد التنظيمات المتطرفة، ومن ذلك نشأ تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب»، وأطلق عملياته الإرهابية التي بدأت بأول عملية إرهابية استهدفت العاصمة السعودية الرياض في نوفمبر 1995 بعد تسلل عبر الحدود اليمنية لأفراد تنظيم «القاعدة».
شكلت الجغرافية الجنوبية الفراغ لهذه الجماعات والتي لعبت دوراً في تصديرها للإرهاب فكرياً وأفراداً وسهلت الفراغات الممرات لتهريب السلاح والمخدرات للمنطقة بما فيها انتقال أفراد تنظيم القاعدة لبؤر النزاعات في العراق وسوريا والسودان ودول القرن الأفريقي مما تسبب في زيادة العمليات الإرهابية حتى نشوء «داعش» وفروعها، هذا الخطر مازال متاحاً حتى أسندت قيادة التحالف العربي لدولة الإمارات العربية المتحدة مهمة مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن بعد تحرير عدن في يوليو 2015.
خطر التنظيمات الإرهابية في المحافظات الجنوبية تَقلّص بعد تشكيل الأحزمة الأمنية والنخبة الحضرمية والشبوانية لكن هذه الجهود الأمنية تظل تحتاج للمظلة السياسية الحاكمة بتمكين عدن من سلطتها السياسية لتقوم بمهمتها الوطنية ثم حماية المصالح القومية العربية بتأمين هذه المنطقة وتملأها سياسياً لتحافظ على مقتضيات الأمن العربي وتحفظ الممرات الملاحية الدولية من خطر الفراغ، وتنهي مهددات المخاطر بواقعية المصلحة العربية والعالمية.
فلا مكان للعواطف تحت مهددات المخاطر الماثلة إلا بتمكين الجنوبيين من قرارهم السياسي على أرضهم وتحت سمائهم فهذا هو قدر عدن وأهلها منذ بداية التاريخ وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. الاستحقاق السياسي للجنوب العربي مصلحة ومفتاح للحل وإغلاق للشر وقطع لأيادي الغدر والعبث بأمن العرب من المحيط إلى الخليج، ولذلك تظل عدن وإن طال الزمن هي الحقيقة.