هاني مسهور يكتب:
«حوثي» اليمن ليس «حزب الله» اللبناني
المقاربة بين جماعة «الحوثي» الإرهابية في اليمن و«حزب الله» الإرهابي في لبنان فيها كثير من ما يستحق النظر إليه باعتبار الواقعية، وليس باعتبار الدوافع التي تجتهد في توظيف المرجعية الإيرانية كشريك بين المخلبين المحيطين بشبه الجزيرة العربية من سقفها الأعلى إلى أرضها بما يمثله الموقع الجغرافي للبنان واليمن.
هنا نحاول القراءة السياسية في تباين لا يراد النظر إليه برغم حيويته القصوى وأهميته للأمن القومي العربي، الذي ما زال يعيش تمزقاً في التعريف ببواعث مستدركات تغييب التفكير لعدم القدرة على استدعاء الحقبة الناصرية الصانعة للتعريف القومي العربي.
«حزب الله» الإرهابي جزء من التشكيل السياسي اللبناني، أكان بالثلث المعطل أو بغيره، فهذا واقع ما فرضته التوازنات السياسية المتراكمة على لبنان منذ الاستقلال، فلبنان الكبير وصل للحد الأقصى من التضاؤل السياسي، حتى بات مجرد ورقة من أوراق المرشد بوكيله في ضاحية بيروت. التوازنات القائمة لبنانياً هي المحصلة للسياسات الداخلية والخارجية، فهذه هي السياسة وهذا واقعها في لبنان مهما كان قاسياً وصعباً تبقى توازنات لم تأتِ من العدم بل حركة تاريخية وصلت لهذا الحال.
«الحوثيون» الإرهابيون لم يأتوا من توازنات سياسية، بل هم واقع نشأ منذ القرن الثامن الميلادي، فمنذ ذلك الوقت نشأت الزيدية في اليمن كمذهب وكحاكمة سياسية تستمد سلطتها من العقيدة المذهبية، فحافظت القبائل الزيدية على السلطة السياسية في الشمال اليمني، ولم تفرط فيه وهي تحاول على امتداد التاريخ توسيع نفوذها السياسي عبر الغزوات «الزيدية» للمناطق الشافعية ومحاولات اخضاع معقلها في حضرموت دون توقف حتى عام 1990 حين تمددت الجغرافية السياسية اليمنية على كامل جنوب شبة الجزيرة العربية بعد اتفاق الوحدة اليمنية بين شطري اليمن الجنوبي والشمالي.
لم تخرج اليمن من أعرافها الحاكمة، وظلت الأسر«الزيدية» حاكمة برغم الصراع العميق بين الملكيين والجمهوريين بامتداده المصري والسعودي في حقبة الستينيات من القرن العشرين، وانتهى ذلك الصراع بتزاوج الملكية بالجمهورية، وأنتجت واقع الحكم السياسي للزيود، وإن كان تحت مظلة النظام الجمهوري، لم ولن تستوعب القوى العربية بعد ذلكم التزاوج الفريد، الذي ارتضى غرور الإقليم وحافظ على السلطة في بيت الزيود.
الهضبة الزيدية تسيطر عليها فكرة التوسع والنفوذ وهي التي خاضت فيها المملكة المتوكلية اليمنية صراعاتها السياسية مع جوارها السعودي حتى بعد اتفاق الطائف عام 1934 فلم تغادر غريزة التوسع ذهنية الإمام يحيى حميد الدين الذي لم يستفد من الاتفاق التاريخي مع الدولة السعودية، وظل في محاولاته البائسة مفتعلاً للأزمات السياسية كما هو حال اليمن في نسخته الحديثة، التي ما زالت ترى في الجنوب العربي منطقة نفوذ واستحكام لثروته ومصيره.
واقع الحال يقول إن «حزب الله» سيظل أداة ومخلباً لقوى خارجية، ليس له أفق توسعي، بغير حال «الحوثي» في اليمن الذي يسعى إلى بسط نفوذه السياسي على جنوب جزيرة العرب. وليس أمام العرب غير التعامل بواقعية مع هذا الحال، أو فرض حل سياسي يقلص من النفوذ «الحوثي» على شمال اليمن وإدارة الصراع في شمال اليمن، بما يكفل منح الجنوب العربي حقه السيادي والتعايش مع دول الإقليم، بما يضمن حماية الأمن القومي العربي والحفاظ على أمن واستقرار الممرات الملاحية الدولية من ابتزاز اليمنيين، الذين سيرتضون بتزاوج الشرعية مع «الحوثي» لانتزاج حاكم زيدي يمكن لهم النفوذ السياسي وإشغالهم المنطقة بصراعاتهم اللامنتهية، التعامل مع جنوب اليمن بعيداً عن الشمال ضرورة ملحة تتطلب استيعاب أن المستقبل يصنع اليوم وليس في وقت آخر، فلا العواطف والرغبات يمكنها أن تقي المنطقة أمناً واستقراراً ما لم تصنعه دول المنطقة بنفسها الآن.