أحمد الخالصي يكتب لـ(اليوم الثامن):

تحديات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

كنا في مقالنا السابق قد تناولنا مسألة الأغلبية وتعذر تطبيقها لاعتبارات عدة لا تتشكل ضمن مرحلة زمنية معينة لهذا النظام  إنما هي جزء من ماهيته, وبالتالي يكون الكل مسؤولا عنها وفي ذات الوقت خارج مقدرتهم حينما تكون وسيلة أحدهم بصفته الفردية الحزبية.
في هذا المقال نفترض إن الحكومة تشكلت وفق الهيئة التي أرادتها القوائم المتفقة في الجلسة الأولى لمجلس النواب، مع الإغفال العمدي لمسألة الإطار التنسيقي سوى من حيث انضمام جزء منه لهذا التحالف المشكل للحكومة المقبلة أو الاكتفاء بدور المعارضة التي وفق رأينا سيكون المنفذ الأوحد لهم كعلاج سياسي في ظل الانتكاسات المتتالية.
وعلى العموم سنكون أمام جملة من التحديات التي ستواجه هكذا حكومة، والتي منها:

_ الصيغة النهائية التي ستفرز بها من حيث توزيع الحصص بينهم، وحجم سيطرة القرار من حيث خضوعه لإرادة أكبرهم عددا، أم تطويعه أي القرار ضمن الصيغة التوافقية بالتساوي, وذلك  من خلال التلويح المستمر بالانسحاب وما يترتب عليه من نتائج تربك الحكومة ويجعلها تحت رحمة ما يتشكل من تحالفات جديدة مناوئة لها, في حال الإخلال بذلك.

_عدم مراعاتها مبدأ التوازن في مسألة النفوذ الدولي من حيث التعاطي معه، سوى من حيث الميل لطرف دون آخر في تحقيق مصالحه أو السماح بفتح آفاق جديدة خارجيا تضر بمصالح إحدى الأطراف الفاعلة بشكل بالغ، والمثال على ذلك واضح في تجربة بعض الحكومات السابقة في العراق, وخصوصا وإننا نمر في مرحلة مدخلات ومخرجات جديدة على الصعيد الدولي من حيث تراجع  أهمية المنطقة كمحور صراع على الصعيد العالمي نتيجة الصعود الصيني, وما يستتبع ذلك من إعادة توزيع وتموضع للقوى العالمية والإقليمية فيها, وهذا يؤدي إلى تركيز النفوذ بصيغته السياسية والثقافية أكثر لمحاولة سد الفراغ الذي تفرضه سياسة نقل الصراع لساحات أخرى, مقابل مدخلات أخرى تظهر تدريجيا في محاولة سد الفراغ والضغط باتجاه الوصول لحلول التسوية والتي لن تكون في نسق واحد, إنما مختلف بحسب الأهمية والقابلية للاستثمار التجاري.

_ الوضع الاقتصادي الضبابي الذي يمر به العراق, وسط المقامرة التي تجريها الدول في أسعار النفط من خلال التحكم بمعدلات الإنتاج اليومي لها, واستخدام ذلك كورقة رابحة في مجال العلاقات الدولية, من خلال التلويح بها بين الفينة والأخرى, وقصدت بالضبابي عدم وضوح معالم المسار الاقتصادي الذي ينتهجه العراق, سوى كان رأسماليا, اشتراكيا أو مختلطا والخ..., وملحقات ذلك من بطالة ومعالجتها ( الكارثية) بالتعيينات والعقود, وما يخلفه ذلك من زيادة الأعباء العامة, دون اللجوء للحلول الصحيحة من قبيل تقوية القطاع الخاص وتنظيمه بالشكل الأمثل, وهذا الملف إذا لم يفصل عن الأحزاب كوسيلة كسب جماهيري لطالما استخدمتها, فسيبقى قنبلة موقوتة بوجه كل حكومة عراقية تتشكل.
_ الخلل  الحاد في الهويتين الاجتماعية والوطنية للمجتمع العراقي, فيتضح هذا الخلل من خلال شيوع حالة التشتت في نسيجه بتغذية إعلامية مستمرة, وما يترتب على ذلك من تفاقم أسباب التنافر بشكل يؤدي في النهاية إلى جعل مسألة طرح الخلاف المذهبي بديهية محمودة بالقياس إلى ما يمكن إن نصل إليه من خلال تبلور التقسيم الحزبي لفرضية اجتماعية متجذرة, وهذا بالكاد يؤدي لأن يكون العنف عنصر متولد ومنسجم مع كل التفاعلات الاجتماعية التي تحصل, مما يجعل المجتمع عبارة عن إشعاعات إذا لم تنفجر فيكفي وجودها السام, وهكذا مجتمع يصبح من الصعب على أي حكومة إن تتعامل معه بالطرق المتعارف عليها, لأنها ستكون أمام المزاجيات العصبية, وهي عصبيات لا علاقة لها بالقومية أو العشيرة, بقدر ما يتعلق الأمر بتماثل في مسألة المحرك لهذه العصبية, وباختلاف اسباب البواعث لذلك, فنقطة التقائها تكمن في وحدة الإحساس المثار كما أسلفنا وهي حالة قلقة من العصبيات التي تفضي لصعوبة التعامل معها, لأنها لا تتخذ شكلا واحدا إنما هي مجموعة مزاجيات متقلبة ومتحركة في فضائها العاطفي تبحث عمن يؤثر فيها أكثر لتندمج به بشكل مؤقت, وهذه العصبيات المرنة إذا شئنا تسميتها أو المزاجية تضاف للعصبيات المتواجدة في الأصل, ولذلك يرى ابن الأزرق الأصبحي بأن  ضعف الدولة يعود  لكثرة العَصَبيّات, فما بالك بهكذا حالة مستحدثة غير خاضعة للآن  لمعايير ضابطة, أو هوية واضحة تجمعها؟,
وهذا ما يجعل البعض يذهب لخيار القوة, وهو أمر محظور ويؤدي إلى نتائج عكسية تدميرية اتجاه مستخدم هذا الخيار, والشواهد في ذلك كثيرة, لأنه بالأصل لا يتعامل مع كيان مادي يردع بالخوف وإن تمثل هذا الكيان بجماعات بشرية, إنما نتحدث عن كيانات  تتعامل وفق روابط نفسية بالدرجة الأساس, لا تؤثر بها الطرق المادية من قبيل القوة بل على العكس يدعمها, لأنه يضاعف من الإحساس المشترك لهذا الكيان بمسألة الهدف المبتغى, وكل الذي قلناه يؤدي لغياب الهوية الوطنية لصالح الاتجاهات الفرعية المكونة لها بل ونحن نشهد تغييب تدريجي لهذه الفرعيات لصالح تقسيمات جديدة ( العصبيات المزاجية), وهو ما يشكل معضلة بوجه الحكومات المقبلة بشكل عام, نتيجة صعوبة التعامل معها, وشبه استحالة توحيدها بما يخدم الصالح العام ككل, إنما سيصار في هكذا وضعيات لمعالجات فردية تصطدم على الأغلب مع الآخرين, وبالتالي انتفاضهم على ذلك أيضا , وبالنهاية تكرار هذه الدائرة المفرغة من التشخيصات الخاطئة, والمفضية لمضاعفات في التشنج الاجتماعي.