أحمد الخالصي يكتب لـ(اليوم الثامن):

تحديات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة (2)

وجود كلمة تشكيل في عنوان هذا المقال وكذلك المقال السابق ليس سهوا, إنما تأكيدًا على إن النقاط المذكورة تغطي على كلا الأمرين, أي ما قبل التشكيل  وما بعده وذلك لشموليتها وتعلقها بالنظام تارة و بفرضيات دولية لازالت تتشكل الكثير من أحداث المنطقة على أساسها تارة أخرى.  
في الجزء الأول من هذا المقال كنا قد تناولنا بعض التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة, لكن الملاحظ أنها ( أي التحديات) غير مقتصرة عليها بل تملك من العموم ما يجعلها معضلة مستمرة ومرافقة لتشكيل أي حكومة, وهذا بالكاد يعود لكونها نتاج تراكمي يلائم   سلسلة الإخفاقات التي وصمت الحكومات السابقة, وهذا ما يجعل هذه التحديات حبل مشنقة ونجاة في آن واحد, فمن حيث كونها نتيجة تراكمية تتحملها الحكومات بالمجموع لا بالخصوص مما يعني أنها ستكون مبررات مسبقة في حالة الفشل بمعالجتها, ومن ناحية أخرى إن عدم إيجاد الحل لها سيجعل أي حكومة بمصافي هذا المجموع الملعون شعبيا, مما يعني تجميد ثقة المجتمع ككل بالحكومة (بعيدًا عن الانتماءات).
وبالطبع هناك تحديات أخرى منها ما قد يبرز لعلة مخصصة تولد من سمات الحكومة المقبلة ومنها ما قد يطرأ نتيجة أزمة داخلية أو خارجية لها امتدادات في العراق، لذلك سنركز بالتحديد على الموجود المنظور كما هو دأب السياسة، مع تفادي التوقعات غير المستندة إلى معطيات، فمن جملة هذه التحديات:

_ الوضع الأمني في ظل استمرار صيرورة داعش كورقة ضغط دولي, ولعل الأحداث المؤخرة والتي حصلت في سوريا في سجن بني غويران في مدينة الحسكة والتي تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود العراقية ينذر بتجدد هذا الأسلوب, فهو ليس بالجديد ولطالما قام باستخدامه التحالف الدولي وعلى الخصوص أمريكا في تعاطيها مع العراق, كعنصر تبرير وتحذير, فمن جهة تبرير بقاء قواتها تحت أي ذريعة ومسمى كانت, من خلال الترويج بعدم مقدرة القوات الأمنية على مجابهة التنظيم لوحدها دون المشورة الأمريكية!, وكذلك كتحذير بوجه أي حكومة تحاول مجرد التفكير خارج نطاق المصلحة الأمريكية.

_ التطبيع وما يمكن إن يؤديه من أزمات مفتعلة سوى كانت على المستوى الشعبي أو الأمني وبالطبع الدولي أيضا, خصوصا ونحن نعيش في خضم تحويل هذا الموضوع من نطاق الرفض المطلق إلى الرفض النسبي, سوى على الصعيد السياسي أو المجتمعي وهو الأخطر, وسبق وتكلمنا بهذا الخصوص, عن خطورة الأمر كونه يوفر مساحة قناعة مباشرة للمزاج  العام الذي بات سياسيا وبفضل وسائل الإعلام وتأثيرها النفسي منتج مصنع, لا قناعة مكتسبة بل مفروضة بقوة الدعاية  وما يصحبها من تبدلات على  مستوى اللا وعي لهذا المزاج العام بوصفهم أفرادا مكونين له, خصوصا وأنهم يمتلكون أغلب وسائل الإعلام المؤثرة عالميا وتوابعها من المحليات المنتشرة في الدول, وسنوضح أسلوبا من المتبع في ذلك, حيث تنطلق الدعاية وفق هذا الأسلوب بالترويج المستمر لأعداد الانتحاريين الفلسطينيين بالتزامن مع مواكبة الإعلام الإسرائيلي لأحداث العراق من خلال التعازي المستمرة عند تعرض البلد لأعمال إرهابية أو استخدام ورقة اليهود العراقيين من خلال استعراض اشتياقهم إلى العراق, وهذا ما  يندرج  ضمن الأساليب الناعمة, والتي يكون خطابها جزئي لعدو ( وهنا أقصد الفلسطينيين)  من خلال التعنيف ضدهم في ذهنية المجتمع العراقي, وجزء آخر يتمثل بخطاب إيجابي ينطوي على ثناء لعدو آخر يتم إلباسه ثوب الصداقة تماشيا مع هذا الأسلوب ( وهنا أقصد العراقيين) ومن خلال ذلك يتم ترسيخ فكرة الأذية الفلسطينية قبالة التأكيد على وردية وتسامح ومحبة الكيان الإسرائيلي, وهذه المعادلة جلها تجري ضمن دعاية مستمرة يضاف لها مقارنة دول التطبيع وهنا سيكون المثال الخليجي بالتأكيد للترويج لمسألة كونه أثر للتطبيع لا بسبب كون هذه الدول بالأصل غنية؟, وهذه مغالطة يسهل للجميع كشفها, وهنا تجري عملية مواكبة هذه الدعاية في طرفي التأطير ( السلام والرخاء كأثر قبول) والاستمرار في دوامة الأزمات كعقاب للرفض.

_ الانتماء الحزبي للوزير, وهذا الأمر من النقاط الخطرة وهو ينسحب لعنوان أخر ( وزارة الحزب), تحويل مؤسسات الدولة لملكية سياسية, وهذا يترتب عليه, تكبيل الوزارة برؤية الحزب لا الحكومة, مما يعني صيرورتها كوسيلة تحقيق للمصلحة الخاصة له, إنه أشبه ما يكون بنقل المؤسسة من القطاع العام إلى الخاص, ويؤدي هذا الأمر كذلك إلى اصطدامها على الأغلب مع منهج رئيس الحكومة, وقس على ذلك اشتمال معظم الوزرات  إذا لم يكن جميعها على هذا الوضع, مما يعني جعل مجلس الوزراء عبارة عن هيكل مفكك داخليا ولا يستطيع السير ضمن خطة واحدة