سالم يحيى شجون يكتب:

أوكرانيا مفتاح اللغز

إنسانيا، نرحب بشعب أوكرانيا إخوتنا في الانسانية كعضو جديد في) حلف الشعوب المنكوبة (فلسطين، سوريا، اليمن، العراق، ليبيا، وشعوب أخرى بالطبع نرحب بشعب أوكرانيا كعضو من خارج جغرافيتنا العربية، وبما أنني مواطن من مواطني تلك الشعوب التي مرت وتمر في تمك الظروف القاسية، وعانيت منها كثيرا فإنني متعاطف جدا مع ما يمر به الشعب الأوكراني، إلا أنني في الوقت ذاته أطمئن الشعب الأوكراني بأنكم لن تركبوا "قوارب الموت" لعبور البحر الأبيض المتوسط للوصول للضفة الأخرى منه، ويغرق بعضكم ويلقى حتفه، ومن ينجو منكم يمكث في مخيمات يصارع البرد القارص، ولن تغلق أمامكم الحدود البرية، كما حدث مع الشعب اليمني الذي أغلقت أمامه الحدود البرية مع دول الجوار واضطر لركوب) قوارب الموت (لعبور البحر الأحمر والوصول إلى الضفة الأخرى منه تحديدا لدول مثل جيبوتي والصومال بحثا عن الأمان، علما بأن تلك الدول هي أفقر من اليمن.

 

تعاطفنا ويتعاطف العالم أجمع معكم، لكن اطمئنوا لن يرتكب الروس جريمة في حقكم صغيرة كانت أو كبيرة إلا وستفضحهم وسائل الأعلام العالمية الموجودة في كل أوكرانيا بما فيهم العاصمة كييف، بينما ارتكبت أبشع الجرائم في حق "حلف الشعوب المنكوبة" ولم يعرف منها إلا القليل، والسبب بالطبع عدم وجود وسائل إعلام لتغطية أحداث الحروب في تلك الدول، والسبب هو منع حكومات تلك الدول من دخول الصحفيين والإعلاميين إليها (حفاظا على الأمن القومي).

 

سياسيا، تحمل هذه الحرب في طياتها العديد من التفسيرات لعل من بينها خط أنابيب الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا والمعروف باسم خط (نورد ستريم 2) ما يعني تجاوز بلدان أوروبا الشرقية التي تستفيد حاليا من رسوم نقل الغاز الروسي عبر أراضيها.

 

لكن ما شأن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها حلف النيتو ودول أخرى فيما يجري من صراع، وهل هناك من يحاول "خلط الأوراق" لتبدو المشكلة وكأنها اقتصادية بحتة؟

 

لا ننسى بأنه قبل وصول الأمور إلى ما وصمت إليه اليوم كان هناك توترات في العلاقات بين بعض دول حلف النيتو، ولاسيما بين تركيا وفرنسا، حيث وصلت التوترات بينهما ذروتها فيما يخص مشاكل تركيا مع جارتها اليونان.

 

صراع آخر بين تركيا العضو في حلف النيتو من جهة وبين روسيا الرافضة لهذا الحلف من الجهة المقابلة تجلى هذا الصراع التركي الروسي في "الملف السوري" بلغ حد إسقاط تركيا لمقاتلة روسية، كما أن هناك دول أوروبية أعضاء في حلف النيتو تعارض وبشدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا، بينما 

 

ضم هذا الاتحاد دول في أوروبا الشرقية تقدمت بطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي بعد طلب تركيا بعدة سنوات، كما أنها دول ضعيفة اقتصاديا وعسكريا، وملفات تلك الدول فيما يخص حقوق الإنسان "محل جدل".

 

إذا بين دخان الحرب الروسية الأوكرانية هناك حروب أخرى قد تكون الشرارة الأولى لحرب عالمية ثالثة على غرار ما حدث في الحرب العالمية الثانية في 1سبتمبر سنة 1191م حين اعتدت الفرق الألمانية على بولندا، أي بعد أسبوع واحد فقط على الاتفاقية بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي، وبعد بضعة أيام أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا، وبالتالي بدأت الحرب العالمية الثانية.

 

كل ذلك يبقى احتمالات ربما يكون بعضها ضعيفا، لكن المؤكد هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد إضعاف روسيا المنافس الأقوى لها عالميا في مجالات عديدة تريد إضعافها بأي طريقة.

 

كما أن فرنسا تريد إضعاف تركيا لتصفية حسابات، ولعل الأنسب لذلك هو "زج" تركيا في حرب مع روسيا في البحر الأسود، وفي حالة احتمالية هذا السيناريو على تركيا ألا تبالغ في ثقتها بحلف النيتو خصوصا وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن قالها صراحة) لن نرسل جنودنا لقتال الروس (كما أن الرئيس الأوكراني فوالديمير زيمنسكي قالها أيضا صراحة: اتصلت بعدة رؤوساء دول وهي بالطبع دول أعضاء في حلف النيتو، لكن الجميع كان مترددا وخائفا.

 

إذا على تركيا في هذه المرحلة الخطيرة جدا أن تدرس كل خطوة تخطوها بدقة وتأن، وإلا فقد تجد نفسها وحيدة في مواجهة غضب الدب الروسي في مياه البحر الأسود، وربما ما هو أبعد من ذلك.