سالم يحيى شجون يكتب لـ(اليوم الثامن):
تحت معطف العم سام
المكان: الشرق الأوسط ، تحديدا العراق.
الزمان: 19 مارس 2003م ، ليلة موعد العاصمة بغداد مع أولى الصواريخ التي انطلقت من مقاتلات (التحالف الدولي) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية "قبلة الباحثين عن الحرية والديمقراطية " ، تحالفا تشكل عنوة من 36 دولة بعد حشدا وتجييشا غير مسبوق من آلة الإعلام الصهيوني والأمريكي ، ومن خلفهم إعلام صبيانهم في منطقتنا العربية. زعموا فيه بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ، ثم اتضح فيما بعد بأنها أكذوبة ، ولكونهم أسياد لما يسمى بمنظمة الأمم المتحدة ، فقد أصدروا قوانين تبيح لهم الدخول للعراق وتفتيش مواقع سيادية عراقية ، ووصل بهم الأمر إلى حد تفتيش غرف نوم قادة عراقيين بما فيهم غرفة نوم الرئيس الراحل صدام حسين.
فبالرغم من طول فترة التفتيش وجنسيات المفتشين المختلفة وأهمية المواقع التي تم تفتيشها ، فبرغم كل ذلك إلا أنه لم يثبت دليل واحد على امتلاك العراق لتلك الأسلحة المزعومة التي يهدد بها العراق جيرانه والعالم ، حسب زعمهم ، لكن القرارات كانت قد اتخذت لتدمير العراق ونهب خيراته وما كان يجري من تفتيش إنما هو تجسس على الدولة العراقية ليسهل بعد ذلك احتلال العراق والوصول للمواقع المستهدفة بسهولة.
وعلى الرغم من معارضة دول لها ثقلها السياسي والاقتصادي وحليفة لأمريكا مثل فرنسا وكندا وعدة دولة أخرى ضد شن الحرب وعلى الرغم من الاحتجاجات والمظاهرات التي بلغت حوالي 40 مليون شخص في عدة مدن في العالم ضد الحرب والتي كان أكبرها في العاصمة الإيطالية روما التي بلغت حوالي 3 ملايين شخص في الفترة من 3 يناير – 12 أبريل سنة 2003م ، وذلك حسب تقارير منظمات حقوقية ، إلا أن كل ذلك لم يثني العم سام "الأب الروحي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان" عن العدول عن قراره بشن الحرب.
وبالفعل ها هو الرئيس جورج دبليو بوش يشد الرحال وجنوده صوب الشرق قبلة الباحثين عن الذهب الأسود جارفا معه في طريقه حلفاؤه من الدول الكبرى الطامعين بتقاسم الغنائم ليحط رحاله في بلاد العرب الطامع حكامها في إرضاء العم سام والتوسل له بحماية عروشهم ، لتنطلق بعد ذلك جحافل الغزاة من أراضي عربية لاحتلال دولة عربية طمعا في الذهب الأسود ، تلك الحلقة المفقودة في مسلسل احتلال العراق.
خمسة ملايين برميل من النفط يوميا هو إنتاج العراق ، كان كافيا ليسيل لعاب أمريكا ، فاصطنعت من الأكاذيب وبدأت الحرب بقصف جوي عنيف في كل محافظات العراق ، وذلك قبل الاجتياح البري ، ورأينا على شاشات التلفاز جثث المدنيين الأبرياء المتفحمة التي أخرجت من الملاجئ ، وكان ذلك بالطبع بفعل قصف المقاتلات الأمريكية لملاجئ المدنيين بقنابل حارقة ، ثم ارتكبت مجازر في حق المدنيين وزج برجال المقاومة العراقية من الأسرى في السجون ليلقوا أشد التعذيب. وكان أشهر هذه السجون سجن أبو غريب ، وتعرضت فتيات في مدينة الفلوجة العراقية للاغتصاب ، ومن ثم القتل.
كل ذلك وأكثر بكثير كان يجري من قبل الجنود الأمريكيين "حماة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان". ووضع العراق تحت إمرة الحاكم الأمريكي بول بريمر ثم عينت حكومة عراقية معظم وزرائها جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية.
تم القبض على صدام حسين في 13 ديسمبر سنة 2003م ، ووضع في مسرحية هزلية سمها الغزاة "محاكمة" ذكرتني تلك المحاكمة بمحاكمة أسد الصحراء الشهيد عمر المختار على أيدي الغزاة الإيطاليين في 15 سبتمبر سنة 1931م ، والتي تم تجسيدها في فيلم عمر المختار.
حكم على الرئيس صدام حسين بالإعدام ، وضمن الاستهتار والعبث بهذه الأمة التي قدر لها أن تعيش بين مطرقة المستعمر التي يهل علينا بحلة جديدة كل فترة وأخرى ، وبين سندان حكام طغاة همهم الوحيد الحفاظ على عروشهم أي كان الثمن.
أعدم صدام حسين ، وضاع العراق برمته وأصبح العراق عراقين ، عراق أمريكي وعراق إيراني ولا عزاء للعرب التي انطلقت جحافل الغزاة من أراضيهم لاحتلال العراق ، وفي محاولة يائسة من بعض الدول العربية للحصول على فتات من بقايا الغنائم في العراق أرسلت تلك الدول وفودا محملة بحقائب مليئة الدولارات وأوراق مليئة بالوعود بمشاريع ضخمة تقدمها تلك الدول للعراق ، لكنها فشلت واصطدمت بقوة بحاجز (الطائفية) ورجعت تلك الوفود خائبة مطأطأة الرؤوس إلى بلدانهم ؛ لأن مثل هذه الحيل والخداع لا تنطوي إلا على العرب بعضهم البعض ، أما في العراق فالمخابرات الأمريكية ، وكذلك المخابرات الإيرانية تعمل بقوة ولن تفرط أي من أمريكا وإيران بهذه المكاسب والغنائم في العراق مهما كلف الأمر.
العم سام الذي أرسل جنوده بين أعوام 1955 – 1975 للحروب في فيتنام وقتل مئات الآلاف من الفيتناميين ، أمريكا التي قصفت مصانع الأدوية في العاصمة السودانية الخرطوم ، وقبلها قصفت العاصمة الليبية طرابلس ، ثم احتلت أفغانستان ، العم سام غض البصر عن قتل المسلمين في ميانمار ؛ لأن الحكومة في ميانمار "حليفة" للعم سام ، وكذلك في دول أخرى في العالم ، حتى في البوسنة والهرسك ارتكب الصرب مجازر وحشية في حق المسلمين وقتل أكثر من 300 ألف من المسلمين واغتصبت أكثر من 60 ألف امرأة وطفلة من المسلمات لم يتدخل "حامي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان" إلا في آخر أيام تلك المجازر ، وذلك لتصفية ما تبقى من الشيوعيين في أوروبا الشرقية ، لا كما يظن البعض بأن أمريكا تدخلت بدافع إنساني لإنقاذ المسلمين ، أمريكا دعمت حكاما عربا وغير عرب وصلوا للسلطة بانقلابات عسكرية في عدة دول في العالم.
اليوم سيناريوهات مشابهة تجري في أوكرانيا وما حولها وظن البعض خطأ بان الرئيس "جو بايدن" أكثر تعقلا من سلفه "جورج دبليو بوش" ، لكن في الحقيقة هو أن روسيا ليست فيتنام ولا العراق ولا أفغانستان أو دولا أخرى في العالم ، كما أن جيران روسيا ليسوا عربا ، فعجز الرئيس جو بايدن عن فعل أي شيء ، فراح يجوب بين دول حلف الناتو طالبا منهم تزويد أوكرانيا بأكبر كمية من الأسلحة والأموال ، لا لشيء إلا لإطالة أمد الحرب ، لعل ذلك يضعف شيئا ما في الدب الروسي الهائج وريث الاتحاد السوفيتي في الترسانة العسكرية.
كل ذلك وأكثر بكثير تحت معطف العم سام ، ذلك المعطف المزخرف "بالحرية ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان".