تاج الدين عبد الحق يكتب:
تجديد روح الشرعية اليمنية
من المبكر الحديث عن انفراج في الأزمة اليمنية، رغم أجواء التفاؤل التي تركها الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي يمثل كافة المكونات الحزبية والمناطقية التي تناهض الانقلاب الحوثي.
فالاتفاق الذي وضع حدا لخلافات أعاقت الشرعية عن بسط سيطرتها على كثير من المناطق شمال وجنوب البلاد، يحتاج الآن، إلى تطعيم، وتحصين؛ لتوفير مناعة له، إزاء العوامل الكثيرة التي تهدد صموده كاتفاق بين أطراف الائتلاف الحكومي من جهة، وكقاعدة لحل الأزمة السياسية بإطارها الواسع، والذي يشمل التفاوض مع الحوثيين لإنهاء الوضع الشاذ الذي خلقه الانقلابيون بالسيطرة والاستيلاء على الحكم، ومن ثم وضع آليات لحل المشاكل اليمنية، الاقتصادية والدستورية المتصلة بحقوق المكونات السياسية وتحديد المستقبل السياسي لليمن ككل.
ومن الواضح أن هذا الاتفاق ليس وليد تفاهم يمني يمني فقط، بل هو ربما جزء، أو مقدمة لترتيبات وتفاهمات ووساطات إقليمية، ودولية يجري التشاور بشأنها منذ بعض الوقت في الكواليس وعبر وساطات صامتة، أو عبر مبعوثين ينشطون في نقل وتبادل الرسائل والمقترحات.
فحل الخلافات بين مكونات الائتلاف لم يكن هو الهدف النهائي، والأخير الذي كانت تسعى له القوى المؤيدة للشرعية، عندما التقت بالرياض، لكنه خطوة تمهيدية وضرورية، للاتفاق الأساسي المنشود بين أطراف الأزمة اليمنية، ومعالجة مسببات الحرب والخلاف بين القوى الحزبية والمناطقية، التي سهلت للحوثيين القفز على السلطة والاستيلاء على العاصمة وتقويض الشرعية الدستورية، خاصة بعد نجاح الحوثيين في توسيع الصراع اليمني، بإعطائه صبغة إقليمية، مستفيدين من حالة التفكك والصراعات التي اتسمت بها العلاقة بين الأطراف المناهضة للانقلاب الحوثي.
والمتابع لكل الوساطات والمحاولات التي جرت خلال سنوات الأزمة، لإيجاد مخرج تقبل به كافة الأطراف، يجد أن هناك وجهين للأزمة اليمنية:
الأول داخلي بيني، يتعلق بموضوع صياغة معادلة جديدة لليمن في ضوء ما أفرزته الأزمة، من معطيات، بما فيها ضرورة البحث عن معادلة دستورية جديدة تأخذ بعين الاعتبار التطلعات المناطقية التي باتت تطالب بصيغة موسعة للامركزية أو الفيدرالية، أو حتى تقرير المصير.
أما الوجه الثاني فهو التفاهم مع قوى الانقلاب، بعد أن استطاعت هذه القوى تقوية نفوذها وتوسيع نطاق سيطرتها في العديد من المناطق بسبب الخلافات الحزبية والمناطقية بين مكونات القوى الممثلة للشرعية.
ومن الملاحظ أن هناك نوعا من التلازم بين المسارين، فالتفاهم بين القوى الحزبية والمناطقية خطوة أولى ضرورية وهامة لا بد منها للوصول إلى تجريد الانقلابيين من القدرة على المناورة السياسية والمماطلة في التجاوب مع مساعي الحل السياسي، من خلال العمل على استثمار الخلافات بين القوى الداعمة للشرعية؛ لتغيير مسار اهتمام المجتمع الدولي، وحرفه عن تأييد الشرعية، إلى الاهتمام بالصراع بين القوى المحلية والمناطقية، وصولا إلى تقويض خطاب الحكومة الشرعية، الذي يؤكد بأن انقلاب الحوثي، هو السبب الرئيس للصراع في اليمن، وأن هذا الانقلاب هو جزء من الصراع الإقليمي الذي تفتعله إيران مع دول المنطقة.
الاتفاق أيضا يساهم في تجديد روح الشرعية اليمنية التي اهتزت خلال سنوات المنفى؛ بسبب الافتقار لإمكانيات التحرك السياسي الذي ظل محكوما بظروف الخلافات الإقليمية، وتباطؤ التحركات والمبادرات الدولية بشكل جعل الأزمة تراوح مكانها، وتحول مسارها من أزمة سياسية إلى مشكلة إنسانية تفتح الباب أمام المزايدات واصطياد المواقف.
وبموازاة ذلك، فإن طول أمد الحرب فتح الباب واسعا، أمام ممارسات فاسدة أفقدت الحكومة الشرعية ثقة المواطن اليمني، ومنعته من الالتفاف حولها بالشكل وبالقدر الذي يمكنها من حشد القوى المناهضة للحوثيين، بل وفتح المجال للخلافات بينهم.
ونتيجة لتآكل الثقة بالحكومة الشرعية استطاع الانقلابيون، تحسين قدراتهم، ووجدوا فرصة لإطالة أمد الصراع، مستفيدين من الطبيعة الأيديولوجية التي تحكم سلوكهم السياسي، وتجعلهم قادرين على حشد الأنصار والمحازبين دون الخشية من انقسامات في صفوفهم، كما هو الحال بين القوى الداعمة للشرعية.
فوق ذلك كله فإن تجديد روح الشرعية اليمنية، يفتح الباب لتجربة جديدة في ممارسة الحكم على الأرض والتواجد في الميدان. فقد كان من بين الأسباب التي جعلت المواطن اليمني يفقد ثقته بالحكومة الشرعية، أنها كانت غائبة ميدانيا عن معاناته اليومية، وكانت لممارسات بعض أركانها، أثر في تقوية قوى حزبية ومناطقية بديلة؛ الأمر الذي ساهم في ضعضعة سلطات الحكومة وقلل هيبتها.
وبانتظار ثمار الاتفاق بين القوى اليمنية، والتغيير المتوقع في التعاطي الحزبي والمناطقي مع الحكومة الشرعية، يتعين علينا أن نراقب انعكاسات ذلك كله على حياة اليمنيين اليومية، ونرى تطور قدرتهم على إيصال صوت موحد بعيد عن المصالح والأجندات الحزبية والمناطقية.