صالح القلاب يكتب:
عن نفتالي بينت وأمثاله!
يصر بنيت على أنّ طابع الدولة الإسرائيلية طابع دولة ديمقراطية، وأنها للشعب اليهودي وحده... وهو ضدّ منح أي حقوق للفلسطينيين الذين يعتبرهم أقليّات قومية
ما دام أن وزير دفاع إسرائيل هو بيني غانتس الذي يعتبره كثيرون إرهابياً، فإنه أمر عادي ألا يكون هناك شاب واحد، بل ألوف من الشبان الفلسطينيين، مثلهم مثل الشاب رعد فتحي، الذي لم يكن أمامه، وهو قد فتح عينيه على كل هذه الجرائم التي يقوم بها الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني، بحججٍ واهيةٍ ومفتعلة، سوى أن يتناول رشاشاً ويقتل شابين إسرائيليين ويجرح عدداً آخر.
وهذا قد دفع نفتالي بنيت، ووزير دفاعه بيني غانتس، وكل قادة الجيش والشرطة الإسرائيلية، إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى ونشر قوات، يزيد عددها على ألف عنصرٍ، مزودةٍ بالسيارات والدراجات النارية... هذا بالإضافة إلى الطائرات المروحية والمسيّرة.
والمشكلة هنا هي أن وزير الدفاع الإسرائيلي قد انفرد من بين أبناء قومه، الذين ينتمون إلى الأقلية التركية، بالالتحاق بالإسرائيليين، وأصبح رئيساً لوزراء إسرائيل، ما جعل الذين من المفترض أنه ينتمي إليهم يسارعون إلى مقاطعته واعتباره خارجاً على أبناء ملته ودينه!!
وحقيقةً أنّ انفراد نفتالي بنيت بهذه المواقف ليس مستغرباً، وحيث ينسب إليه أنه قد قال متفاخراً: «لقد قتلت كثيراً من العرب في حياتي، ولا توجد مشكلة في ذلك... وإذ إنه إذا أمسكت بإرهابيين يمكنك ببساطة قتلهم»، وكل هذا مع أنه، كما يقال ويتردّد، أن أصوله تركية، وأنّ كثيرين من بني قومه، الذين هم ذوو هذه الأصول، يعتبرونه خارجاً عليهم وغريباً عنهم، ويعتبرون أنّ عداءه الشديد القسوة للشعب الفلسطيني هو من قبيل إثبات أنه ليس من هذه الأصول، ولا هو من هذه الأمة!!
وبالطبع، فإنّ هذا المتخلّي عن أصوله، الذي يعتبره كثيرون من العرب الأكثر عداءً للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والمسلمين، قد أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل، وذلك بينما لا يزال عمره 59 عاماً، ثم بالإضافة إلى هذا كله فإنه قد ارتبط اسمه، بالطبع، بدعم الاستيطان الإسرائيلي وبالكراهية الشديدة للمواطنين العرب، ثم لأنه من قبيل «التملُّص» من أصوله التركية فإنه يحرص دائماً وأبداً على التأكيد على أنه من أبٍ وأمٍ أميركيين، وذلك مع أنه قد ترعرع في مدينة حيفا الفلسطينية (العربية) وأنه يحمل رتبة «رائد» في جيش الاحتياط الإسرائيلي... ضمن ما يسمى «وحدة النخبة».
هذا لا يهمنا، لكن ما يهم فعلاً وحقيقة هو أنه، أي نفتالي بنيت، قد أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل، وأنه قد احتلّ كل هذه المواقع التي احتلها، وبينما يعرف الإسرائيليون الذين دأبوا، كما هو معروف، بالبحث تحت «أظافر» كل من لا ينتمي إلى أصولهم ولا إلى دينهم، أنّه ليس يهودياً، حتى إن بني قومه سيتخلون عنه ويعتبرونه خارجاً عن ملّتهم!!
إنّ هذا كله ربما لا يهمنا، لكنه بالتأكيد يهم كثيرين ممن ينتمي إليهم، وقد تخلّى عنهم، وكل هذا مع أنّ المفترض أنه قد جاء وافداً، وأنه الوحيد من بني قومه ومن أبناء ملتّه من أصبح رجل أعمال وسياسياً إسرائيلياً، وأنه قد بات يشغل منصب رئيس وزراء إسرائيل، وكان قبل ذلك قد شغل منصب الوزير في 3 وزارات في آنٍ واحد؛ وزير الاقتصاد ووزير الخدمات الدينية ووزير القدس والشتات!!
ثم فوق هذا كله، فإنه، مع أنه وافد وأصوله تركية، قد شغل منصب رئيس قائمة البيت اليهودي في الكنيست الإسرائيلي، وشغل مناصب عسكرية في وحدة النخبة الإسرائيلية، وكانت له أنشطة على مستوى الاستيطان اليهودي، وتولى المجلس الاستيطاني العام في الضفة الغربية.
وبالطبع، ما دام رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بنيت بكلِّ هذه المواصفات، ومع أنه، كما يقال، تركيُّ الأصل والفصل، فإنه يعتبر من أشدِّ المعارضين لقيام دولةٍ فلسطينيةٍ، وبالإضافة إلى قطع كل هذه المسافات، فإنه قد اختير رئيساً لوزراء إسرائيل، خلفاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
والمعروف أن صاحب الأصول التركية هذا الذي لا يعترف بها لم يكتفِ بهذه المناصب الآنفة الذكر كلها، بينما كان قد تطوّع لشغل منصب مدير مكتب زعيم المعارضة الإسرائيلية، الذي هو في ذلك الحين بنيامين نتنياهو، وقد قاد حملة رئيس الوزراء الإسرائيلي للانتخابات الداخلية لحزب «الليكود» التي كان قد فاز فيها أولاً عام 2007 ثم عام 2008... وبعد هذا كله، قد تخلّى عن هذه الوظيفة والوظائف كلها، بعد أن ارتوى منها حتى الثمالة... كما يقال!!
يبقى أن نفتالي بنيت، رغم أصوله التركية، قد بقي يحمل آيديولوجيا صهيونية واضحة، وأنه بقي يساند ويدعم، بكل ما به من قوة، حق إسرائيل فيما يعتبر زوراً وبهتاناً أرض إسرائيل التاريخية الكبرى، التي يعتبرها الإسرائيليون المتطرفون من النهر، نهر الأردن، إلى البحر، البحر الأبيض المتوسط، ثم بالإضافة إلى هذا كله، فإنه من أكثر الداعمين للاستيطان والمستوطنات، ومن الداعين إلى الردود العسكرية، لا السياسية، على العمليات المسلحة الفلسطينية.
وأيضاً، فإنه - أي بنيت هذا - قد بقي يصر على أنّ طابع الدولة الإسرائيلية طابع دولة يهودية ديمقراطية، وأنها للشعب اليهودي وحده... وأيضاً فوق هذا كله فإنه من أكثر المطالبين بسنِّ قانونٍ قوميٍ صهيوني على اعتبار أن إسرائيل دولة يهودية، وإنه ضدّ منح أي حقوق للفلسطينيين الذين يعتبرهم أقليّات قومية.
ولذلك، وفي النهاية، فإنّ هذا كله يعني أنَّ رئيس الحكومة بنيت وأمثاله رغم أنّه من المفترض أنّ أصولهم تشُدَّهم إلى انتماءاتهم القومية والدينية فإنهم لإرضاء الذين يتحكّمون فيهم، والذين يضطهدون شعوبهم، يتخلّون عن انتمائهم الديني، وعن انتمائهم القومي العروبي، وحقيقةً هناك كثيرون من هؤلاء الذين يعرفهم الشعب الفلسطيني، وبالطبع فإنّ هذا كله قد مرّت به أممٌ وشعوبٌ كثيرة!!