فاروق يوسف يكتب:

إبراهيم رئيسي الذي يقيم في أفلام جيمس بوند

هناك مثل يقول "هم يضحك وهم يبكي".

أما الذي يُبكي فهو هذا الفيضان الإيراني من الميليشيات التي لا يسمح وجودها بقيام دولة في العراق حتى ولو كانت دولة فاشلة تصدر الفاسدين باعتبارهم فخر الصناعة العراقية. أما الهم الذي يُضحك فهو انزعاج إيران من إمكانية أن يكون العراق مصدرا لزعزعة أمنها واستقرارها كما لو أنه دولة حقيقية فيها قيادة تخطط وأجهزة عسكرية وأمنية تنفذ وليس مجرد حقلا مستباحا، منهك كل متر فيه.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي شخص متخلف ويفكر بطريقة عفا عليها الزمن ولم تعد قيد الاستعمال منذ سنوات طويلة. فهو يخشى أن يكون الإقليم الكردي "كردستان" مقرا لأجهزة المخابرات الإسرائيلية التي تقوم بالتجسس على إيران وجمع المعلومات عنها.

رئيسي كمَن ركب آلة الزمن في روايات الخيال العلمي ورجع إلى الوراء أكثر من أربعين سنة ليتمتع بمشاهد الجواسيس بالمعاطف الطويلة والنظارات السوداء والقبعات داكنة اللون الذين يرتادون فنادق فايف ستار وتتعلق بهم نساء شقراوات مولعات بالسفر.

سيكون على إسرائيل أن تعيد النظر في حربها ضد دولة، يقودها رجل مولع بروايات الجيب التي تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن الفقرات التي تتعلق بكردستان تبدو هي الأكثر غرابة في ذلك المقطع المقتطع من فيلم طوله أكثر من أربعين سنة.

الزعماء والحزبيون الأكراد هم أصدقاء إسرائيل منذ عقود طويلة بل أن ما يُسمى بحركة الانفصال الكردية كانت في جزء منها برعاية إسرائيلية. ليس ذلك نوعا من الدعاية المعادية للأكراد إذ أن الزعامات الكردية تعترف بما تؤكده صور اللقاءات مع القيادات الإسرائيلية سواء في العراق أو في إسرائيل.

تملك إسرائيل ثانيا حضورا علنيا على الاراضي العراقية التي أقتطعت لتقام عليها الدولة الكردية منذ عام 1991. ذلك ما لم ينفه الأكراد والإسرائيليون معا. كما أن إيران على اطلاع بالأمر بسبب كثرة جواسيسها في المنطقة الكردية.

ثالثا إن الأحزاب العراقية التابعة لإيران بكل ما تملك من ميليشيات هي من صناعة الحرس الثوري الإيراني والأكثر اطلاعا على العلاقات الكردية الإسرائيلية بل أن عددا من زعماء الأحزاب والكتل النيابية كانوا قد زاروا إسرائيل والتقوا بالقيادات الأمنية هناك. الأهم أنهم لم يتعرضوا لمساءلة قانون العقوبات العراقية الذي يجرم التخابر مع إسرائيل.

ما الجديد الذي اكتشفته إيران لكي تغضب؟

إيران التي وضعت يدها على العراق بغض النظر عن الصراعات الداخلية بين الأحزاب التي لن ينتج عنها ما يمكن أن يُحدث شقا في تلك العلاقة المستقرة التي حاول الشعب العراقي في تشرين عام 2019 أن ينسف ثوابتها العقائدية غير أنه لم يفلح، إيران تلك تسعى بكل الطرق التقليدية إلى استغلال فكرة الجاسوسية لكي تبتز الأكراد في إطار عمليات الكر والفر التي يشهدها الصراع الشيعي الشيعي. صراع مقتدى الصدر المنتصر مع الأحزاب الشيعية الخاسرة.

لقد سبق لإيران أن قصفت أربيل. يومها لم تعترض الحكومة العراقية. لا يصدق أحد أن إيران تذكرت فجأة بعد أكثر من ثلاثين سنة أن كردستان صارت وكر جواسيس. ما يُضحك في الأمر أن إيران سبق لها وأن ضُربت بقسوة من غير الحاجة إلى معلومات قادمة من خارجها. لقد قتلت إسرائيل علماء إيرانيين بالاستعانة بجواسيس محليين. أحيانا لم تكن إيران في حاجة إلى جواسيس. كانت التقنيات تكفي. حرب من وراء قناع. ذلك ما تعرفه إيران ولا يعرفه رئيسي.

أليست كردستان ساحة أخرى للحوار الإيراني الإسرائيلي؟ أعتقد أن إيران تحاول أن تقنع إسرائيل بذلك. ليس من المستبعد أن تطلب إيران من الزعماء الأكراد بعد أن قصفتهم أن يستقبلوا عددا من جواسيسها ليقيموا علاقات مع الجواسيس الإسرائيليين الذين يحتضنهم الإقليم الكردي.

لا تصدق إيران أن إسرائيل لا ترغب بعد اتفاقات السلام مع دول الخليج العربي في أن تلحق الأذى بالعالم العربي. لذلك فإنها وهي تضغط على الزعماء الأكراد من أجل دفعهم إلى الوقوف مع أحزابها في العراق والتخلي عن الصدر تسعى إلى أن تستعين بالدعم الإسرائيلي. "ستكون إسرائيل معنا" ذلك ما يمكن أن يؤثر على المعادلات السياسية داخل العراق الذي هو بلد ضعيف ومنعت إيران أن تُقام فيه دولة.   

رئيسي يستحضر في تهديداته عراقا صار في طي النسيان.