فاروق يوسف يكتب:
المجتمعات العربية مريضة بالصحوة الإخوانية
ضربتنا الصحوة بعنف معانيها وزيف مظاهرها. شباب يرتادون المساجد بطريقة هستيرية كما لو أن القيامة ستقوم بعد ساعتين ونساء مـحجبات يشعرن بالخزي في مواجهة ماضيهن. ما معنى ذلك؟ لقد سخرت جماعة الإخوان المسلمين المصرية عبر أكثر من أربعة عقود من الزمن أدواتها المدربة على القتال الناعم من أجل إقناع المجتمع أنه صار كافرا وعليه أن يعلن عن توبته. الندم على ما لم نفعله ولكننا واليناه بصمتنا. لقد عدنا يومها إلى نظريات سيد قطب في الولاء والبراء. من أجل أن يصحو المجتمع عليه أن يتوب. المعنى هنا يكمن في التخلي عن كل سبل الحياة الحديثة والعودة إلى الجهل الذي يجب تقديسه باعتباره الوسيلة الوحيدة التي يحقق المجتمع من خلالها شروط صحوته. وإذا ما كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد غدر بخيال الشعب المصري حين ذهب إلى إسرائيل وحيدا فإنه في الوقت نفسه كان قد قرر أن يضع الإخوان بينه وبين الشعب المصري.
كان مريحا بالنسبة إلى الإخوان أن يختار السادات قدره. وهو ما مهد لهم الطريق لقتله. ما كان يهمهم أنه قد سمح لهم بالفتك بالشعب المصري بينما كانت أجهزته الأمنية تفتك بمعارضي زيارته إلى إسرائيل الذين كان جلهم من المفكرين والفنانين والشعراء والعلماء ودعاة التنوير وأساتذة الجامعة. مع التطبيع بدأت صحوة الإخوان التي لا تزال حتى اليوم سببا في انقسام المجتمع على نفسه. لقد هزم الإخوان المجتمع حين قرر السادات أن يتخلى عن ثوابت الشخصية المصرية في الحرب والسلام.
هناك اليوم مَن يدافع عن التطبيع مع إسرائيل ولكن بصوت منخفض في حين تعلو الأصوات المدافعة عن الصحوة وبالأخص في الأحياء الشعبية وقد صارت مدننا الكبيرة بما فيها العواصم مجرد أحياء شعبية.
لقد ذهبت النخب الثقافية إلى مخابئها. لم يعد لها صوت يُسمع. كان سيد القمني آخر الراحلين. مَن يتذكر نصر حامد أبوزيد ونوال السعدواي وخليل عبدالكريم؟ صار للردة الحضارية خطابها الشعبي الذي يخفي تحت طبقته الشفافة نزعة إخوانية هي انعكاس لواقع ثقافي متخلف، بحيث لا يمكن النظر إلى كل مَن ينادون بذلك الخطاب باعتبارهم إخوانا غير منتمين بقدر ما هم ضحايا لانحسار ثقافة التنوير.
مَن اقتنع بأن تلك الردة كانت صحوة لا يمكنه التراجع عنها بمجرد أن الإخوان أظهروا الوجه العنيف لعقيدتهم. كان العنف في فلسفة الإخوان معلنا قبل ممارسته على أرض الواقع. كل مَن قرأ المنطلقات النظرية للإخوان لا بد أن يعرف أن عقيدتهم قائمة على تكفير المجتمع وأن سعيهم إلى الحكم يهدف إلى إصلاح المجتمع الفاسد. ذلك ما يقولونه ولا يشعرون بالحاجة إلى إخفائه. لقد تمكنوا من شرائح عديدة من المجتمع كان النظام السياسي قد تخلى عنها. تلك الشرائح هي الأخرى صارت تتصرف بعنف دفاعا عن صحوتها. من ذلك ما نشهده من عنف علني يُمارس بين حين وآخر في حق نساء لا يغطين رؤوسهن. تلك ظاهرة لم تكن مألوفة قبل استفحال الخطاب الإخواني.
صحيح أن جماعة الإخوان تعرضت للنكسة في غير موضع من العالم العربي حين لم تتمكن من إقامة دولتها الدينية غير أن الصحيح أيضا أنها تمكنت من عقول الناس وعطلت قدرتهم على التفكير وصارت أفكارها تقف بينهم وبين القدرة على العيش السوي في مجتمع يؤمن بالمواطنة ومبادئ التقدم والحداثة والقيم الإنسانية بما فيها حقوق الإنسان. ولهذا يمكن القول إن مقاومة الفكر الإخواني لا يمكن أن تصل إلى أهدافها إلا عن طريق التصدي للفكر الإخواني باعتباره ظاهرة اجتماعية وعدم الاكتفاء بالتصدي للظاهرة السياسية.
الصحوة هي عنوان مضلل للردة التي أحدثها الاجتياح الإخواني للمجتمعات العربية في ظل سنوات من الإهمال الذي مارسته الأنظمة السياسية وهو ما خلق بيئة صالحة لنمو وانتشار أفكار التطرف والعنف والتكفير. لذلك فإن لجوء الإخوان إلى مخابئهم السرية من خلال عودتهم إلى حالة السبات لا يعني أن ظاهرتهم قد اضمحلت وفي طريقها إلى نهايتها. فما دام هناك مَن يردد مفردة “الصحوة” باعتبارها عنوانا للتحول فإن الانتقال إلى مرحلة ما بعد الإخوان التي ارتبطت بالربيع العربي لن يكون ميسرا. فالمسألة الإخوانية لا يمكن تبسيطها في ظل موقف دولي وإقليمي داعم لفكرة إقامة دولة دينية يقودها الإخوان.
لقد ابتلي الناس البسطاء والفقراء وغير المتعلمين والمتعلمين من غير أن يؤمنوا بالتفكير الحر بكذبة تم تمريرها من أجل أن تجد الجماعات الدينية المتشددة الطريق أمامها سالكة للوصول إلى الحكم. كانت الصحوة ولا تزال هي المرض الذي يجب أن تعالج منه المجتمعات العربية.