فاروق يوسف يكتب:
نحن وإيران جيران لسوء الحظ
في أزمنة الشعر كان القمر جارنا حسب الأخوين رحباني وفيروز. أما في أزمنة الشر فإن إيران هي جارتنا.
إيران ليست إمبراطورية. لم تكن ولن تكون كذلك بغض النظر عما يقوله عسكريوها الذين تتميز ثقافتهم بأنها مزيج من الهمجية والعقائد الأسطورية.
كان الساسانيون رعاة غزاة. تهديم الحضارات هو مهنتهم الوحيدة. وهم يشبهون المغول في ذلك لولا أن الحضارة هذبت المغول ولم تهذب الساسانيين.
المعلقات السبع التي كتبها عرب ما قبل الإسلام هي أهم بكثير من كل ما كتبه الفرس من شعر عبر تاريخهم. أما شاهنامتهم فهي التجسيد الأمثل لهمجيتهم وهي عنوان حقدهم على الحضارة العربية الإسلامية.
لم تكن إيران يوما ما دولة سوية في علاقتها بجيرانها. لا في زمن الشاه ولا في زمن آيات الله. فهي تحمل جرثومة الحقد المتوارثة على أولئك الجيران. لأن عقدة التاريخ تتحكم بها.
تلك العقدة وضعت إيران على طريق سوء الفهم الدائم، بما يعني عدم قدرتها على التخلي عن الطابع العدواني الذي ميز علاقتها بجيرانها الذين لم يبادلوها كرها بكره، بل كانت أبوابهم مفتوحة للحوار معها كونها العدو الذي ما من صداقته بد.
ولكن إيران أثبتت من خلال سياساتها أنها لا تصلح لممارسة دور الصديق الذي يمكن أن يلعب دورا بناء في المنطقة. وليس صحيحا ما يُقال من أن الخلاف الفقهي السني – الشيعي هو سبب الاستراتيجية الإيرانية المنافية للقوانين والأعراف الدولية وثوابت وقواعد العلاقات بين الدول. ذلك ليس صحيحا في ظل رغبة إيران في ممارسة الوصاية على دول عربية مستقلة وذات سيادة. الأمر الذي يجعل إيران تعيش حالة صدام دائم، لم تكن معها في حاجة إلى إعلان الحرب كما حدث في ثمانينات القرن الماضي. يومها أصرت إيران على الاستمرار في حربها مع العراق من غير أن تضع سقفا زمنيا لتلك الحرب.
إيران لا تصلح أن تكون جارة محترمة لأحد. وإذا ما كانت الدول المعنية بالاتفاق النووي قد أجبرت إيران على أن تكون طرفا في حوار إيجابي فإن ذلك لا يعني أنها كانت قادرة على الوصول إلى لغة مشتركة معها
كانت تلك الحرب هي الوجه المعلن للعداونية الإيرانية التي هي سلوك مبيت غير مرتبط بأسباب خارجية تستدعيه كما في الأحوال الطبيعية. إيران لا تحتاج إلى سبب للتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها. ذلك لأنها تجد أن من حقها القيام بذلك. وهو أمر حاول العرب أن يتعاملوا معه بصبر وحكمة وروية أملا في أن تستعيد إيران العقل الذي تتطلبه إدارة دولة تلتزم بالقانون الدولي وتراعي أعراف الجيرة.
لم يكن ذلك الأمل سوى ضرب من الخيال.
إيران لا تصلح أن تكون جارة محترمة لأحد. وإذا ما كانت الدول المعنية بالاتفاق النووي قد أجبرت إيران على أن تكون طرفا في حوار ايجابي فإن ذلك لا يعني أنها كانت قادرة على الوصول إلى لغة مشتركة معها. فهي لا تقدم أي سبب للثقة بها وهي تستعمل دائما لغة تنطوي على الكثير من الخداع والاحتيال واللعب على الوقت. وبحكم تحجرها العقائدي فإن إيران تنتمي إلى عصر آخر غير العصر الذي يعيشه العالم.
لقد وهبها العالم أكثر مما تستحق. ذلك خطأ فظيع سيكون بمثابة انتقاص من روح العدالة. فالإيرانيون سيزدادون همجية إذا ما استمرت الولايات المتحدة في موقفها المتراخي في مواجهة سياستهم العدوانية في المنطقة. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خلل في ميزان القوى لا يمكن إصلاحه.
كان موقف الدول الرئيسة في المنطقة من التواطؤ الأميركي مع السياسة العداونية الإيرانية واضحا. فليس من العدل أن يتم استرضاء إيران من أجل التوقيع على الاتفاق على حساب أمن واستقرار المنطقة. هناك دول ستُمحى من الخارطة في مقابل اتفاق غير مضمون مع دولة لا يملك المرء سببا واحدا للثقة بها. فإيران لن تكون أبدا عضوا في نادي بناة العالم. العكس هو الصحيح. إيران يمكنها أن تهدم المزيد من الدول إضافة إلى لبنان والعراق واليمن.
ليس هناك أمل في أن تغير إيران سياستها. ليس في إمكانها أن تقوم بذلك. سيكون عليها يومها أن تتخلى عن مبدأ تصدير الثورة. وهو ما لا يمكن وقوعه إلا إذا شعرت إيران أن هناك قوة في المنطقة ستواجهها وستلحق بها وبمشاريعها الهزيمة. تلك هزيمة لن تتحملها إيران وقد تؤدي إلى سقوط النظام السياسي فيها بسبب تردي أوضاع الشعوب الإيرانية المعيشية.
ذلك هو المنطق الوحيد الذي تفهمه إيران. من غيره فإنها ستبقى الجار المؤذي الذي يبقي المنطقة في حالة فوضى.