صالح القلاب يكتب:

ما المطلوب بالنسبة للمستقبل؟

لم يمر على العالم، ومنه بالطبع الوطن العربي، ما هو عليه الآن، وحيث إنه بالإمكان استخدام المثل الذي بقي يتكرر عربياً والقائل: «اختلط الحابل بالنابل»، وحقيقة أن هذا الاختلاط قد بلغ ذروته، وأي ذروة، ومعظم الدول العربية باتت تعاني من ويلات وأزمات مدمرة كثيرة، وحيث إنه قد ساد ذلك المصطلح العربي التاريخي، القديم والجديد، القائل: «لا تشْكيلي ولا أبكيلك»!
وحقيقة أنه بالفعل قد «اختلط حابلنا بنابلنا»... وهذا مع أنه لم يعد يوجد في هذا الوطن الكبير والعظيم لا حابل ولا نابل، وحيث إن أبناء هذه الأمة العظيمة: «ذات الرسالة الخالدة» قد أصبحوا بصورة عامة فريسة لشذاذ الآفاق، وعلى غرار ما هو عليه واقع الحال في فلسطين... وفي غيرها على امتداد الوطن العربي.
وهكذا وكما تردد وقيل قبل أكثر من مرة فإنه، كما قال أحد رؤساء تحرير الصحافة العربية، لو أنه قد قُدر للشاعر العظيم والمبدع سليمان العيسى أن يخرج من قبره، رحمه الله، ويرى هذا الوضع العربي لحذف مطلع قصيدته: «نشيد للدول العربية»، ولندم أشد الندم على الوقت الذي أضاعه وهو ينسج خيوط قصيدته الرائعة التي قال فيها: «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر»... فزمن أول قد حول، كما يقال، وهذا مع أن الحقيقة تقتضي... القول والتأكيد على أن الدول الخليجية قد باتت هي تاج الأمة العربية الناصع.
ربما أن هناك من يعتبر أن هذه: «فشة خلق» وحقيقة أنها: «فشة خلق بالفعل»... وإلا فكيف ضاعت فلسطين قلب هذه الأمة العربية التي كان صهيل أحصنة فرسانها، ذات لحظة تاريخية عظيمة، يرعب الغرب والشرق... والاتجاهات كلها... والله جل شأنه يشهد على هذا!

عندما احتل «الصليبيون» الذين، لم يكن صليبهم معقوفاً، ومع الأخذ في الاعتبار في هذا المجال أنه قد كانت بينهم وبين الأشقاء من مسيحيي هذه الأمة مسافة شاسعة، وأنهم كانوا وما زالوا في طليعة النضال القومي، وحيث إن الأمثال في هذا المجال متعددة وكثيرة... ليس في المشرق العربي وحده... ولا في لبنان وسوريا والعراق... وفلسطين والأردن... لا بل حتى في مصر... والمغرب كله.
وهنا فإنه لا بد من تجنب ذكر الأسماء خشية من إغفال اسم أحد الكبار العظام الذين كانوا في طليعة النضال القومي السابق واللاحق وحتى الآن، وهذا هو ما تشهد عليه فلسطين... وما يعرفه كل الذين كانوا وما زالوا طلائع النضال القومي السابق واللاحق وحتى الآن.
ثم وفي هذا المجال فإنني قد تجنبت ذكر أسماء بعض الذين كانوا في طليعة النضال القومي المبكر وأيضاً واللاحق، خشية من أن يفهمني البعض فهماً خاطئاً، ولذلك فإنه لا بد من الإشارة إلى أن قادة النضال القومي العروبي «الإسلامي المحتوى» كانوا إن ليس كلهم فمعظمهم من المسيحيين العرب من رموز لبنان الأساسيين ورموز سوريا الطلائعيين... وفلسطينيا مثل جورج حبش... ووديع حداد والعديد من رموز النضال الوطني في الأردن وبعض الأقطار العربية الأخرى.
والمشكلة في هذا المجال أنه قد تم «اختراع» تنظيم الإخوان المسلمين ليتصدى لكل هذه البؤر القومية... وللمد العروبي بصورة عامة، وحيث إن هؤلاء قد حل بهم بدورهم داء الانقسام والتشرذم وكما هو واقع الحال، وأصبح هناك هذا الصراع المحتدم بين اتجاهات متعددة... كل اتجاه يعتبر أن «الآخرين» لا هم «إخوان» ولا هم يحزنون... وأنهم أتباع للإسرائيليين... والعياذ بالله جل شأنه.
وعليه فإن هؤلاء قد أصيبوا بدورهم بداء التفتت والتشرذم والانقسام، ومثلهم مثل العديد من الأحزاب القومية كحزب «البعث» الذي لم يبق منه إلا ما يشبه الوشم في ظاهر اليد... والذي ها هي انقساماته تتبادل الاتهامات القاسية، وإلى حد أن بعض الباقي ممن تبقى من هؤلاء لا يترددون في اتهام من كانوا رفاقاً لهم بأنهم عملاء حتى لإسرائيل والعدو الصهيوني.
إن المقصود بهذا كله هو أن «من فات قد مات»، وحيث إن حركة التاريخ لم تتوقف عند لحظة واحدة... وهذا لا في السابق ولا في اللاحق، وأن حتى ما كان يوصف بالاتحاد السوفياتي قد انهار انهياراً نهائياً... وأن جوزيف تيتو الذي كان يصفه أتباعه بأنه «العظيم» لم يبق له أي أثر... إلا الأثر السيئ... وهذا وكما هو معروف ينطبق على كل قادة ورموز الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية، وعلى رموز الانقلابات العسكرية العربية ودون أي استثناء.
ولذلك ولأن هذا الماضي بخيره وشره، وحقيقة أن شره أكثر كثيراً من خيره، قد رحل ونرجو أن يكون بلا أي عودة، فإن المطلوب بالنسبة للمستقبل، وما سيستجد أن نقتدي عربياً بما وصلت إليه معظم الدول الأوروبية التي قد بادرت ومبكراً إلى وضع أقدامها على طريق المستقبل الواعد... والتي قد غادرت تلك المواقع السابقة... وحيث إنها كلها كانت قد علقت كقلادة سياسية وثقافية وفنية واقتصادية في عنق الاتحاد السوفياتي الذي حلت محله روسيا هذه... التي هي محصلة دروس متعددة وكثيرة لتلك الفترة البائسة التي كان عنوانها النظام الشيوعي... وما كان قد تردد على لسان «الرفيق» ستالين... وأيضا وكارل ماركس... ولينين!