فاروق يوسف يكتب:
أربع سنوات أخرى من الفساد في انتظار العراقيين
سيكون من الحماقة توجيه نداء إلى الشعب العراقي للتحذير من مقتدى الصدر. في هذا الوقت المتأخر لا تنفع النصيحة.
لا أحد ينكر معرفته بحقيقة الشاب الذي قُدم بصيغة طائفية "الزعيم الشيعي" وسبق في ذلك كل منافسيه.
الصدر يحتل موقعا رياديا في التحول الطائفي الذي شهده العراق بعد الاحتلال الأميركي. وهو رجل الحرب الأهلية الأول.
كان نوري المالكي -وهو الأكثر طائفية من الصدر- قد أدار تلك الحرب بالتعاون مع القوات الأميركية، لكن من وراء حُجب.
اما الصدر فإنه كان قائدا ميدانيا، تزعم صبيانه حملات الإبادة ضد عراقيين أبرياء صاروا مادة للانتقام.
الزعيم الشيعي الشاب بدأ تألقه بجريمة مقتل عبدالمجيد الخوئي رسول المشروع البريطاني للعراق الذي لم يكن بقاءه مناسبا للمشروع الأميركي.
وحين قامت حرب النجف عام 2004 كان من اليسير بالنسبة للقوات الأميركية أن تتخلص من مقتدى الصدر من خلال قتله غير أنها لم تفعل.
كان رصيدها الذي ادخرته للحرب الأهلية من أجل أن يكون نظام المحاصصة الطائفية واقعا.
لقد هيأت الأرضية لانتقال الطائفية من مستواها السياسي إلى مستواها الاجتماعي وهو المستوى الذي يكون فيه العراقيون في أسوأ أحوالهم. وذلك ما حدث فعلا.
لم يكن مقتدى الصدر سوى دمية. كل إرثه العائلي لا معنى له. ذلك الإرث يستند إلى مجموعة متلاحقة من الأكاذيب والخرافات.
فالأب الذي هو محمد صادق الصدر كان مكروها من قبل النجف ومن قبل إيران لذلك فإن عملية اغتياله من قبل النظام العراقي ملفقة ومشكوك بها. ذلك لأن النظام لم يكن في حاجة إلى القيام بتلك العمليات على الأراضي العراقية.
كان النظام غبيا يومها إذ لم يعلن عن تفاصيل عملية الاغتيال ولم يكلف نفسه مشقة البحث عن الجناة.
على ركام تلك المظلومية صعد مقتدى، الشاب اليتيم ولا يزال يستند إليها بالرغم من تحوله إلى رقم صعب داخل النظام الذي سبق له أن أنقذه من السقوط غير مرة. كان الدور الذي لعبه الصدر في اجهاض احتجاجات تشرين الأول 2019 واضحا.
وإذا ما كان المقترعون في الانتخابات الأخيرة (2021) قد وهبوه أصواتهم فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا نكاية بالأحزاب والميليشيات التي تعلن صراحة عن ولائها لإيران. ولم يكن ذلك صك براءة له من الفساد.
كل العراقيين يعرفون أنه فاسد كالآخرين بل قد يكون الأكثر فسادا وهو المسؤول عن تعثر مشاريع الكهرباء وانهيار القطاع الصحي.
لقد أدار الصدر الوزارات التي كانت من حصته برعاعه. وكانت كلفة ذلك باهظة.
اليوم مقتدى الصدر يسعى إلى ابتلاع المشهد السياسي برمته. خصومه لم يعد لهم وزن إلا إذا قرر هو أن يعيد لهم ثقلهم السياسي المشكوك فيه. وهو إذ يضع عليهم شرطا لذلك أن ينزعوا سلاحهم فإنه لم يبادر إلى نزع سلاحه ولن يقوم بذلك. يعرف أنه سيحتاج إلى ذلك السلاح يوما ما. فهو لا يثق بشعبيته. فمثلما لقن الشعب الأحزاب درسا في الهزيمة فلربما التفت إليه.
لا يثق مقتدى بالشعب الذي يبادله عدم الثقة. غير مرة تخلى مقتدى عن تياره واختفى بحجج واهية منها اكمال الدراسة في قم أو الخلوة في النجف أو اليأس من إمكانية أن يفهمه الآخرون. لقد أُعتبر سلوكه الطفولي جزءا من فلسفته السياسية وهو أمر لا يزيد ولا ينقص من مشروع تياره المشتبك بمشاريع الأحزاب من جهة الاستفادة من الفساد لتنمية الثروات ونهب المال العام ومنع إمكانية قيام دولة حقيقية تستمد قوتها من القانون.
يلعب مقتدى الآن على الدستور بحيث يُنسي الآخرين ما يفرضه الدستور من مهل قانونية لتشكيل الحكومة وإعادة الحياة إلى مؤسساتها. يفرض قانونه على الجميع ويهب خصومه مهلا، هي في حقيقتها مخالفة للدستور. وليس هناك مَن يعترض. إنه الحاكم الفعلي قبل أن يفرض تحالفه (العابر للطائفية) باعتباره الكتلة النيابية الأكبر. يلعب بخفة ليتأكد من أنه قد أتعب خصومه ومن ثم يضرب ضربته. لا يهمه في ذلك أن تتعطل الحكومة في إداء وظائفها. فكل شيء مؤجل إلى أن يحقق انتصاره الأخير الذي قد يحدث برعاية إيرانية مكفولا برضا أميركي. وهو ما تخشاه الأحزاب الموالية لإيران.
الأربع سنوات من عمر الحكومة المقبلة لم تبدأ بعد. وقد لا تبدأ إلا إذا تمت الاستجابة لمطالب مقتدى. وهو ما يعني أن عهدا جديدا من الفساد سيعيشه العراقيون في انتظار انتخابات تتم من خلالها إزاحة مقتدى هو الآخر من المشهد السياسي.