ماريا معلوف تكتب:

إلى أين تتجه العقوبات الأميركية على روسيا؟

السياسة هي اقتصاد مكثف كما يؤكد خبراء السياسة والاقتصاد، وكرد فعل على الاجتياح الروسي لأوكرانيا قامت الولايات المتحدة بالاتفاق مع حلفاؤها في أوروبا بفرض عقوبات متدرجة على روسيا وخاصة على تصدير النفط والغاز الروسيين حيث يشكل العائد منهما نسبة كبيرة من الناتج المحلي الروسي سنويا.

فإلى أين تتجه العقوبات وما هو الجدوى منها ومن هي الدول الأكثر تتضرراً من تداعياتها مع استمرار الحرب؟

يمكن الجزم بأن تداعيات العقوبات الأميركية - الأوروبية، التي شملت حركة الطيران والبنوك وشخصيات روسية وازنة، كان لها آثار متفاوتة على الأوضاع الاقتصادية الأميركية والأوروبية، نظراً لاختلاف وقوة كل اقتصاد وكذلك مدى ومستوى العلاقات التجارية الأميركية - الروسية من جهة، والعلاقات الأوروبية - الروسية المتشعبة من جهة ثانية، حيث تعتمد أوروبا بشكل كبير على مصادر الطاقة المستوردة من روسيا وخاصة النفط والغاز، ويستورد الاتحاد الأوروبي حاليا ربع نفطه وحوالي 40 بالمئة من غازه من روسيا.

في وقت تعتبر فيه الولايات المتحدة أكبر قوة اقتصادية في العالم حتى العام الحالي 2022، وتمتلك في ذات الوقت مخزون كبير من النفط وتستطيع الاستغناء الكلي عن النسبة القليلة المستوردة من النفط الروسي، لأنها لا تتعدى 10 بالمئة من إجمالي مستوردات النفط الأميركية من الخارج.

يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أكبر تجمع اقتصادي عالمي، لكن لكل دولة منضوية اقتصادها الخاص وعلاقاتها التجارية مع دول العالم بما يخدم مصالحها الاقتصادية، ولم تعد بريطانيا إحدي دول الاتحاد منذ أكثر من عام.

يلحظ المتابع بأن تداعيات العقوبات على روسيا، كانت أكبر على الأوضاع الاقتصادية في أوروبا، تجلت بارتفاع مستوى التضخم وارتفاع قيمة السلع، مثل الطحين والرز والزيوت، في حين كانت أقل وطأة على الاقتصاد الأميركي، نظراً للطاقات الكبيرة الكامنة.

طالما لم توقف روسيا حربها المدمرة على أوكرانيا، فإن الاعتقاد السائد يميل إلى أن تداعيات العقوبات الأميركية - الأوروبية عليها لم تكن مجدية ومؤثرة بشكل حاسم بعد مرور أكثر من 4 أشهر من الاجتياح، هذا في وقت شهد الاقتصاد الروسي تضخما ملحوظاً وارتفاع بأسعار السلع المختلفة وتراجع الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي.

رغم الإجراءات الاقتصادية للحد من هبوطه، وخاصة عبر محاولة فرض التعامل به في المعاملات التجارية، ورغم الحديث عن بناء علاقات تجارية كبيرة مع الصين ودول آسيوية أخرى كبديل محتمل عن دول الاتحاد الأوروبي، لكن تراكم الخسائر الاقتصادية الروسية، مع ارتفاع فاتورة استمرار الحرب على روسيا، ستتفاقم الأوضاع الاقتصادية في روسيا وتزداد بؤساً، وسترتفع معدلات التضخم والأسعار وستتراجع قيمة الروبل.

ناهيك عن خسارة مالية متوقعة لروسيا تصل إلى أكثر من تريليوني دولار في نهاية العام الحالي 2022.

وفي مقابل ذلك لن تكون خسائر الولايات المتحدة كبيرة مع استمرار الدولار كسيد للعملات في العالم، وقوة الاقتصاد الأميركي المستمرة رغم المساعدات المقدمة لأوكرانيا والتي لا تتعدى بضع مليارات.

وفي الاتجاه الأوروبي، ثمة تقديرات تشير إلى خسائر متوقعة في الاقتصاد الأوروبي، حيث ستراجع معدل النمو الاقتصادي ليصل إلى واحد بالمئة حتى نهاية العام الجاري 2022.

وبالأرقام ستصل قيمة الخسائر نتيجة التراجع في النمو إلى نحو تريليون و800 مليون دولار، وقد وصلت قيمة الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي 2021 إلى 17 تريليون و900 مليار دولار أميركي.

في الختام ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا والإبقاء على العقوبات الاقتصادية الأميركية الأوروبية وارتفاع وتيرتها، وتسجيل خسائر كبيرة على المستوى الاقتصادي الأوروبي، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي تستحوذ على اقتصادات متطورة مشهود لها كألمانيا بإمكانها تجاوز الأزمات الاقتصادية في ظل مؤسسات مشهود لها، إنما ستدفع روسيا وأوكرانيا فاتورة الحرب بشكل مباشر على الأرض، لكن روسيا ستكون الخاسر الاقتصادي الأكبر في المدى البعيد، حيث أنها لا تمتلك اقتصاد متنوع الصناعات في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية.