عمر الرداد يكتب:

قمة طهران والحسابات المتناقضة

طهران

لعلّ الحقيقة التي يمكن للمتابع أن يلحظها في قمّة طهران، التي عقدت بين رؤساء: روسيا وإيران وتركيا، هي أنّ قمة جدة التي عقدت بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت حاضرة بكلّ تفاصيلها ومخرجاتها لا سيّما أنّها حاولت التوصل إلى توافقات حول الموقف من روسيا وإيران، من خلال عناوين من بينها: برنامج إيران النووي والصاروخي، وتهديدها للمنطقة، والتلويح بتشكيل "ناتو" عربي أو شرق أوسطي "بمشاركة إسرائيل" في مقدمة لإدماجها في الإقليم، وبالتزامن كانت روسيا حاضرة في قمة جدة عبر تطلعات أمريكية للضغط عليها من خلال إمدادات النفط الخليجية "البديلة" وتحميلها مسؤولية أزمة الغذاء العالمية، وكان واضحاً أنّ هناك مقاربات عربية تجاه روسيا وإيران بالإضافة إلى إسرائيل مختلفة عن المقاربات الأمريكية.

ورغم أنّ قمة طهران انعقدت لبحث العديد من الملفات موضع الاهتمام المشترك بين "موسكو  وطهران وأنقرة"، ورغم حضور تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وخاصة على الملف السوري، إلا أنّ نتائجها بقيت تدور في سياقات تطلعات كلّ طرف لتحقيق أهدافه منها، والحفاظ على الحد الأدنى من التفاهمات التي لا ترقى إلى تحالفات، رغم أنّ موسكو ظهرت أقرب إلى طهران من أيّ وقت مضى، في ظل أزمات موسكو جرّاء غزوها أوكرانيا.

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا

انعقدت قمّة طهران تحت عنوان رئيسي هو الملف السوري، على خلفية تهديدات تركية ما زالت قائمة بشن عملية عسكرية وشيكة "رابعة" ضد حزب الشعب الكردي "السوري"، بحجة تهديد الأمن القومي التركي، وتعاون الحزب مع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وهي المقاربة التركية التي يبدو أنّها ورقة تضغط بها تركيا على كل من موسكو وطهران، وهو ما يفسر أنّها قوبلت برفض المرشد الأعلى خامنئي والرئيس الروسي بوتين، ضمن حسابات إيرانية وروسية لا ترى في أكراد سوريا تهديداً للنظام السوري، وأنّ التهديد الحقيقي لسوريا يأتي من الجماعات الجهادية في سوريا، خاصة في الشمال السوري وتحديداً في إدلب، وهي الجماعات التي تحظى بـ"دعم" تركي، بالإضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي فيما يُعرف بمناطق شرق الفرات، بالإضافة إلى كون أيّ نجاحات لتركيا ستكون على حساب نفوذ موسكو وطهران.

المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من شرق الفرات شكّل قاسماً مشتركاً بين موسكو وطهران مع أنقرة، رغم اختلاف الأهداف من تلك المطالبة

ورغم هذا الموقف، فمن المرجح أنّه في حال نفذت تركيا تهديدها بشن عمليتها في شمال سوريا، وبصرف النظر عن مستواها وحدودها، فإنّها لن تتم إلا بعد تنسيق مع طهران وموسكو، بالرغم من أنّ موسكو تحتفظ بعلاقات "دافئة" مع أكراد سوريا، بينما تنظر إليهم طهران بوصفهم حلفاء واشنطن في سوريا والعراق، وهو ما يعني أنّها ستنظر إلى العملية بمنظار سوري من زاوية استفادة النظام السوري واستثمارها، ومدى الضرر الذي سيلحق به في حال تحقيق أنقرة مكاسب من ورائها على غرار عملياتها السابقة.

 توافق على مكافحة الإرهاب واختلاف بالمفهوم

تضمّن البيان الختامي واللقاءات الثنائية للرؤساء الـ3 الاتفاق على مكافحة الإرهاب، وهو إعلان تضمنته كل بيانات القمم السابقة، إلا أنّ الاختلاف حول مفهوم الإرهاب على المستوى التركي يختلف جذرياً عن مفهومي موسكو وطهران، وهو خلاف يشكّل أحد أبرز عناوين الخلاف بين أنقرة من جهة، مع طهران وموسكو من جهة أخرى، في تفسير المشهد السوري ومستقبل الصراع في سوريا وعليها.

تضمّن بيان قمة طهران الختامي الاتفاق على مكافحة الإرهاب وهو إعلان تضمنته كل بيانات القمم السابقة، إلا أنّ الاختلاف حول مفهوم الإرهاب على المستوى التركي يختلف جذرياً عن مفهومي موسكو وطهران

 تركيا ولأسباب قومية ترى أنّ الإرهاب يتجسّد في الفصائل الكردية المسلحة "قسد" وعلاقاتها التنسيقية مع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، تلك العلاقات التي تتجاوز التحالف والتضامن من وجهة نظر تركية إلى الدعم العسكري، وترى موسكو وطهران أنّ الإرهاب يتمثل بالفصائل السنّية والجهادية خاصة المتمركزة في إدلب، بالإضافة إلى تنظيم داعش شرق الفرات، ولا ترى بأكراد سوريا تهديداً للنظام السوري، لا سيّما أنّ أكراد سوريا لطالما أكدوا أنّ سقف طموحاتهم هو حكم ذاتي، والاعتراف بهم ضمن الدولة السورية، وهو ما تقبل به موسكو بصورة واضحة، خلافاً لموقف طهران التي تتعامل مع القضية الكردية بمنظور قومي ومذهبي إيراني لكونها من أبرز قضايا القوميات الإيرانية التي تهدد وحدة إيران.

 توافق على مطلب خروج القوات الأمريكية من شرق سوريا

  رغم أنّ قضية تواجد القوات الأجنبية في سوريا تُعدّ إحدى القضايا البارزة في الملف السوري، لا سيّما أنّ الدول الـ3 "روسيا وإيران وتركيا" تتواجد عسكرياً في سوريا وبصور مباشرة ومتفاوتة، إلا أنّ موسكو ومعها طهران ترى هذه القضية مرتبطة بمعيار موافقة الحكومة السورية، وهو ما يعني أنّ التواجد التركي في مناطق شمال سوريا ليس شرعياً، فيما تواجد قوات إيرانية وروسية تمّ باتفاقات مع الحكومة السورية.

 المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من شرق الفرات شكّل قاسماً مشتركاً بين موسكو وطهران مع أنقرة، رغم اختلاف الأهداف من تلك المطالبة، فروسيا وإيران تنظران إلى التواجد الأمريكي بوصفه احتلالاً يعرقل تحقيق أهدافهما الإستراتيجية بالسيطرة على كامل الدولة السورية، فيما تنظر تركيا إلى القوات الأمريكية شرق الفرات بوصفها الداعم الرئيسي للأكراد، وتوفير غطاء عسكري لهم بحجة دورهم في مواجهة داعش.

 بالرغم من الصورة الإعلامية وما تضمنه البيان الختامي من إظهار توافقات على العديد من القضايا، بما فيها المرتبطة بسوريا، والتي حاولت موسكو وطهران إرسالها قبيل وخلال القمة، وفي مقدمتها أنّ هناك تحالفاً جديداً لمواجهة "تحالف جدة"، إلا أنّ الخلافات بين أطراف القمة أعمق ممّا تضمّنه بيانها الختامي والصور الاحتفالية بالقمّة، بما فيها لقاءات الرئيسين "بوتين وأردوغان" مع المرشد الأعلى "خامنئي"، فالعواصم الـ3 تعيد ترتيب إستراتيجياتها على ضوء تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما أعقبها من تحولات دولية وأزمات في ملفات الطاقة والغذاء.

طهران وموسكو وأنقرة تعيد ترتيب إستراتيجياتها على ضوء تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما أعقبها من تحولات دولية وأزمات في ملفات الطاقة والغذاء

 فبالنسبة إلى موسكو أرادت من القمّة إرسال رسالة إلى أمريكا بأنّها قادرة على بناء تحالف مع إيران يعرقل تنفيذ إستراتيجيات أمريكية مع حلفائها في المنطقة، ومع ذلك فإنّ القمّة لم تبدد الشكوك العميقة لدى موسكو تجاه طهران، بما فيها مفاوضات قطعت أشواطاً بين واشنطن وطهران لإنجاز الاتفاق النووي، وأنّ إيران مستعدة لأن تكون مصدراً بديلاً للطاقة الروسية، وتنافس روسيا على دورها في سوريا. وبالتزامن فإنّ طهران ترى في روسيا وتعزيز التحالف معها "ورقة" ترفعها بوجه واشنطن في مباحثات الصفقة النووية. أمّا تركيا، فقد أرادت ضوءاً أخضر من موسكو وطهران لعمليتها المرتقبة في شمال سوريا ضد الأكراد، وهو ما لم تحصل عليه.

 قبيل أن يجف حبر مقررات قمّة طهران، وجهت موسكو ضربة عسكرية جديدة لحلفاء أنقرة في إدلب السورية، ومنحت تركيا ضوءاً أخضر لإنجاز اتفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، لكنّها سرعان ما وجهت ضربة صاروخية لميناء أوديسا الأوكرانية الميناء الرئيسي للتصدير حسب الاتفاق الجديد، وبالتزامن تم توجيه ضربة صاروخية لمنتجع سياحي في شمال العراق "دهوك" يجري اتهام تركيا بالوقوف وراءه رغم نفيها ذلك.