عمر الرداد يكتب:
الاتفاق النووي بين ضمانات طهران لإسرائيل والعرب
أصبح واضحاً أنّ الإعلان عن اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران لا يخرج عن كونه مسألة وقت، بعد تنازلات متبادلة بين الطرفين، أكدتها تصريحات متبادلة لمراكز القرار في البلدين، وكشفت أنّها وصلت إلى مراحل متقدمة في صياغة تفاهمات، عبّرت عنها الردود المتبادلة على "رسائل" الناقل الأوروبي بين واشنطن وطهران، وقاسمها المشترك هو "نعم ولكن"، في إشارة إلى اشتراطات مرتبطة بتفاصيل لا تلغي حقيقة إنجاز الاتفاق، في ظل ضرورات أمريكية وإيرانية، ذات أبعاد اقتصادية بالدرجة الأولى، عمّقتها الحرب الروسية على أوكرانيا في ملف الطاقة، وهو ما يفسّر زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، ثم وزير الدفاع الإسرائيلي لواشنطن، للاطلاع على التفاصيل النهائية للاتفاق، وعلى هامش "الاتفاق" الجديد فإنّ جملة من التساؤلات تُطرح حول حدوده وآفاقه؛ وأبرزها:
أوّلاً: إنّ الحملات الإعلامية التي تشهدها "واشنطن، وطهران، وتل أبيب"، بما فيها من تشدد وتحذيرات، أو الإعلان عن صمود ونجاحات تحققت، أو اجتراح مبررات دفاعية عن "تنازلات" وتحويلها إلى انتصارات لكل طرف، مرتبطة بإدارة حملات إعلامية موجهة للرأي العام المحلي، خاصة بالنسبة إلى واشنطن وتل أبيب المقبلتين على انتخابات قريبة، فيما تغطي طهران على ما يمكن وصفه بـ"تنازلات" عبر حملة إعلامية تستلهم مفردات خطاب ثوري لا تؤيده السياسات التي تنفذها.
ثانياً: نجحت إيران في "جرّ" الأوروبيين والأمريكيين لحصر الاتفاق بملف واحد من ملفات القضايا الخلافية مع إيران، وهو الملف النووي، بعد إعلانات إيرانية عن زيادة نسب التخصيب، منذ انسحاب أمريكا من اتفاق عام 2015، بما يمكنها من الوصول إلى عتبة إنتاج أسلحة نووية، وهو ما أكدته طهران بأنّها وصلت إلى مرحلة تمتلك فيها قدرات فنية لإنتاج سلاح نووي، إلا أنّها لن تفعل ذلك لأسباب دينية، وتحولت ملفات أخرى "البرنامج الصاروخي، والحرس الثوري، وتهديد أمن دول المنطقة"، إلى ملفات أقلّ أهمية.
ثالثاً: مؤكد أنّ المفاوضات الحقيقية بين أمريكا وإيران ليست فقط ما تظهره "الرسائل المتبادلة" بينهما عبر الوسيط الأوروبي، فهناك مفاوضات أخرى "سرّية" تجري في عواصم شرق أوسطية "بغداد ومسقط والدوحة"، وهي المفاوضات الحقيقية، التي لا يعلن عن نتائجها لا من قبل طهران ولا واشنطن، علماً بأنّ اتفاق عام "2015" تمّ إنجازه في مسقط، وكانت المفاوضات تجري في سويسرا، ومن المرجح أن تكون طهران وواشنطن توافقتا على "تنازلات متبادلة" تشمل المتطلبات والاشتراطات الإسرائيلية، ليس حول النووي الإيراني فحسب، بل والتهديد الذي تمثله "ميليشيات إيرانية" في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى علاقات الحرس الثوري مع حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
رابعاً: واضح في الموقف العربي، وخاصة الخليجي، أنّه تمّ بناؤه وفقاً لمقاربات تعكس في جوهرها مستويات من عدم الثقة بطهران وواشنطن، فطهران منذ تصاعد الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي جديد، بدأت بتقديم خطاب جديد تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج يؤكد على التعاون في مجالات "الأمن والاقتصاد والتنمية"، واستمرار التهدئة من قبل وكلاء إيران في اليمن، وحصر الصدام في الساحة السورية حتى تاريخه، هذه التهدئة قوبلت من قبل دول خليجية بالإعلان عن إعادة "السفراء" إلى طهران، وبالمقابل نجحت زيارة بايدن في قمّة جدة بخفض أسعار النفط، ولكن ليس بالمستوى الذي كانت واشنطن تتطلع إليه، في ظل تحفظات "خليجية" على مواقف وسياسات أمريكا تجاه حلفائها في المنطقة .
خامساً: بالرغم من أنّ مخرجات قمّة جدة "كسرت" الجليد في علاقات واشنطن مع الرياض وأبو ظبي، إلا أنّ كثيراً من أسباب الخلاف ما تزال قائمة، لا سيّما أنّ واشنطن تتعاطى مع إيران بمنطق الحليف المحتمل، بما في ذلك إمدادات النفط والغاز، ليكون بديلاً للنفط الروسي، وهو ما يفسر تصريحات من الرياض وأبو ظبي بأنّه في حال انخفاض سعر النفط، فإنّهما ستعيدان النظر في حجم إنتاجهما من النفط. ومن الواضح أنّ موسكو، رغم تحالفها مع طهران، إلا أنّها تشترك مع دول الخليج في "شكوك عميقة" حول التعهدات التي قدّمتها طهران لواشنطن والدول الأوروبية الطامحة للحصول على حصة من استثمارات ما بعد توقيع الاتفاق النووي.
سادساً: مرجح أنّ الدول العربية، وعلى أهمية التعاون مع إيران في قطاعات التنمية وبناء علاقات تعاون مع طهران، معنيّة أكثر بوقف التهديد الإيراني الذي يمثله الحرس الثوري الإيراني ووكلاء إيران في الإقليم، وفي الوقت الذي أصبح فيه واضحاً أنّ واشنطن تأخذ بعناية مطالب إسرائيل "الأمنية" في الاتفاق الجديد، وهو ما أكدته تصريحات إسرائيلية، فإنّ المطالب العربية، وعلى رأسها مطالب السعودية والإمارات، التي تعرّضت لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيّرة تقف طهران وراءها بشكل مباشر أو غير مباشر، تحتاج لإجابات من واشنطن ومن طهران، لا يتوقع أن تحصل عليها الرياض خلال مفاوضاتها المرتقبة مع طهران.