صالح القزويني يكتب:
خيبة أمل كبيرة لواشنطن من رد طهران
تعود خيبة الأمل الأميركية من رد طهران على وجهة نظر واشنطن من المبادرة الأوروبية لتسوية الملف النووي الايراني، ليس لأن الرد الايراني غير واقعي وغير منطقي؛ وإنما لشعور الادارة الأميركية بأن المفاوض الايراني يريد ابتزازها ويريد استغلالها، وأنه يحاول توظيف الظروف التي تمر بالمنطقة والعالم وخاصة الحرب في أوكرانيا لصالحه.
وقبل أن نتعرف ما اذا كان الرد الايراني غير بناء، وفق ما اعتبره نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل فانه لابد من تسليط قليل من الضوء على الخلاف الجديد بين واشنطن وطهران، اذ يبدو من خلال التسريبات والتصريحات التي يدلي بها المعنيون بالمفاوضات النووية، إن طهران تصر على ضرورة تقديم ضمانات بالقضايا التي تطالب بها، وعلى ما يبدو أن واشنطن وافقت على تقديم ضمانات ولكن هذه الضمانات شفهية، بينما آخر ما طالبت به طهران هو أن تكون الضمانات مدونة ومنصوصة ضمن الاتفاق النووي.
وهنا ينبغي الاشارة الى عدة نقاط ربما تجيب على تساؤل ما اذا كان الرد الايراني بناء أو غير بناء.
الأولى: الجميع يطلق صفة المفاوضات على ما يجري حاليا بشأن الملف النووي الايراني، وهذا يعني أن الأمر يخضع للأخذ والعطاء والمساومة، وبالتالي القضية ليست قضية شروط تمليها واشنطن على طهران وعلى الأخيرة الاستجابة لها.
الثانية: من الطبيعي أن يستغل كل طرف الأوراق التي يمتلكها أو الظروف السياسية أو الأمنية أو الجيوسياسية لتحقيق القضايا التي يطالب بها، فمن الطبيعي أن تنظر ايران للظروف الصعبة التي يمر بها الغرب نتيجة الحرب الأوكرانية فرصة ثمينة بل ذهبية ربما لن تتكرر، لتحقيق ما تريده خلال المفاوضات النووية.
الغرب يعاني بشدة من أزمة الطاقة نتيجة الحرب الأوكرانية، بينما لدى أيران أكثر من 90 مليون برميل ممن النفط مخزنة في ايران أو بعض الدول أو على متن الناقلات، فهل من الذكاء والحكمة أن تقوم طهران بحل مشكلة الغرب دون أن يقوم بحل مشكلتها.
الثالثة: على الرغم من أن الغرب يعي جيدا أن سياسة الحكومة الايرانية الجديدة تجاه المفاوضات النووية تختلف عن السياسة السابقة، بل أن الغرب توقع أن تكون المفاوضات صعبة وتحدث عن تشدد الحكومة الحالية في اليوم الأول لفوز ابراهيم رئيسي في الانتخابات، ولكن ليس من الواضح لماذا يطالب الغرب وواشنطن أن تنتهج الحكومة الحالية ذات السياسة التي انتهجتها الحكومة السابقة.
تعتقد الحكومة الحالية أن السياسة التي انتهجتها الحكومة السابقة كانت خاطئة، ولو كانت ناجحة لما انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي وفرضه عقوبات صارمة على ايران وكبدها خسائر فادحة، لذلك فان الحكومة الحالية تعمل على أن يكون الاتفاق قويا الى حد يحقق مكاسب ايران ولا يعرض هذه المكاسب للخطر والتهديد من جديد.
غاية ما تطالب به طهران هو أن يبقى الاتفاق صامدا ولا يستطيع أحد انتهاكه لأسباب واهية وذرائع غير حقيقية أو أسباب بحثها الاتفاق ووضع الحلول لها، ولذلك فانها تطالب بضمانات لتحقيق ذلك.
عندما يرفض الطرف الآخر تقديم ضمانات فانه يثير شكوك ايران من انه يريد في المستقبل انتهاك الاتفاق، الأمر الذي يجعلها تصر على ضمان الاتفاق النووي، خاصة اذا عرفنا ان جانبا من الاقتصاد الايراني سيعتمد على الاتفاق وهذا يعني أن ارباكا كبيرا سيقع في الاقتصاد وعموم ايران اذا تم انتهاك الاتفاق النووي.