صالح البيضاني يكتب:

استهداف الجنوب وتنقلات السيرك الحوثي

شهدت الأيام الماضية تصاعدا في موجات الأحداث المضطربة التي ضربت رصيف المشهد اليمني، والتي تعطي انطباعا عن سخونة هذا المشهد وسرعة تحولاته وما يمكن أن يكون عليه في قادم الأيام.

وكل حدث من الأحداث تلك مرتبط بالآخر بشكل وثيق وإن كان يبدو منفصلا ويسير في مسار منفصل عن الآخر، غير أن الاقتراب من خلفيات ومآلات هذا الحدث ستجعله قطعة أصيلة في لعبة بازل، لا يمكن مشاهدة نتيجتها النهائية قبل الانتهاء من تركيب كل قطعها المتناثرة.

ففي جنوب اليوم ضرب الإرهاب بقوة وهذه المرة في محافظة أبين التي شهدت قبل فترة وجيزة انتشار قوات الحزام الأمني فيها، بالتوازي مع تقارب مفاجئ بين الأطراف الجنوبية التي كان يراهن البعض على اقتتالها، وهو ما يرى مراقبون أن قناة الجزيرة عمدت إليه عبر برنامجها الذي حمل عنوان “الإخوة الأعداء” وسعت من خلاله لإحياء صراع دموي شهده جنوب اليمن في العام 1986، غير أن النتائج كانت مغايرة تماما لما اشتهته سفن الجزيرة، الأمر الذي دفع بعض الجنوبيين لدعوة القناة لإنتاج جزء ثالث من البرنامج، من باب السخرية والتهكم!

ولا يبدو الحادث الإرهابي في أبين، والذي استهدف العشرات من الجنود الجنوبيين، منفصلا عن أحداث وتداعيات سبقت هذا الهجوم الإرهابي وفي مقدمتها، حملة التشويه والشيطنة التي استهدفت قوات الحزام الأمني معنويا قبل أن يتم استهدافها ماديا، وكذلك الحملة التي ما تزال مستمرة لكبح جماح التغييرات التي شرع بتنفيذها مجلس القيادة الرئاسي.

ومن يقرأ تاريخ العمليات الإرهابية في اليمن من حيث توقيتها ومواقع تنفيذها، يدرك تماما ارتباطها الوثيق بأهداف وغايات سياسية، وهو ما يجعل عملية أبين تنتمي إلى هذا النوع من الإرهاب السياسي الذي ترافق مع إرهاب عسكري مزمن قام به الحوثيون بعد حادثة أبين بساعات، من خلال قنص ضابط جنوبي رفيع في منطقة يافع، التي لم تكن جبهة ساخنة من قبل مع الحوثيين والغريب أن هذا التصعيد تم في وقت يفترض أن البلاد تمر فيه بهدنة أممية لا تشوبها شائبة.

الاستعراض الذي حضرته قيادات الصف الأول في الجماعة شابته العديد من الأخطاء التنظيمية القاتلة وتخللته رسائل خاطئة للعالم

والتصعيد الحوثي، وإن كان على صلة بفلسفة وضع الجنوب على فوهة مدفع متحرك والتهديد الوجودي التقليدي للجنوب، تحت عنوان الوحدة، وأعتقد أن الجنوبيون تجاوزوا هذه المرحلة من الابتزاز السياسي والعاطفي، إلا أن هذه العملية جاءت في أعقاب تصعيد حوثي أكبر تجاوز جغرافيا اليمن، إلى المنطقة والعالم، عبر استعراض حوثي للقوة في الساحل الغربي.

والحقيقة الماثلة هي أن الحوثيين لم يفاجئوا اليمنيين والمجتمع الدولي باستعراض القوة ذاك الذي نفّذوه في الحديدة، فلم يكن السلام يوما ضمن قاموسهم السياسي أو حتى أحلامهم العقائدية، لذلك بدت ردود الفعل على هذا الفعل الحوثي خالية من أي مضامين، حتى في أعقاب إصدار الأمم المتحدة عبر بعثتها في الحديدة، بيانين تندد فيهما بالتحشيد الحوثي في منطقة أجبرت الضغوط الدولية قوات المقاومة المشتركة على الانسحاب منها قبل شهور باعتبارها منطقة منزوعة السلاح وفقا لاتفاق ستوكهولم، لكن ما حدث هو أن الحوثيين أقاموا استعراضا مسلحا للقوة في ذات المنطقة وكانت رسالتهم الوحيدة التي سعوا لبثها بشكل فج، هي أنهم باتوا قادرين على تعطيل ممر الملاحة الدولي وإيقاف الحركة في واحد من أهم المضائق البحرية في العالم، إذا أرادوا هم أو رغبت طهران في ذلك.

عرض الحوثيين أسلحة قد يكون بعضها حقيقيا وبعضها زائف بهدف إرهاب العالم، غير أن هذا الاستعراض للقوة كشف باعتقادي عن حالة ضعف حوثية عميقة تتوارى خلف محاولات ادعاء القوة والتلويح بعواقب الحرب بهدف تحاشيها أكثر من خوضها والتأكيد على أن صواريخ الحوثيين البحرية “المجنّحة” قادرة على ضرب أهدافها حتى من خارج محافظة الحديدة في إشارة ضمنية إلى أن خسارة الميليشيات المدعومة من إيران للساحل الغربي لليمن واردة ولكنها ليست كافية لردع التهديد الحوثي.

الاستعراض الذي حضرته قيادات الصف الأول في الجماعة شابته بطبيعة الحال العديد من الأخطاء التنظيمية القاتلة وتخللته رسائل خاطئة للعالم، حيث تضمّن العرض سابقة غير مألوفة في تاريخ العروض العسكرية، بعد أن استعرض الحوثيون ألغاما بحرية في منطقة لا تحميهم فيها من طائرات التحالف ومدافع القوات المشتركة، سوى اتفاقية وقف إطلاق النار التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في العام 2018، وإضافة إلى سوء العرض وعدم انتظام حركته، عززت هزالة العرض الحوثي من فرضية الزج بالمئات من الطلاب والمدنيين في مثل هذه العروض التي يجوب بها الحوثيون محافظات اليمن منذ بدء الهدنة الأممية في حركة تشبه تنقلات السيرك.