حسين المحرمي يكتب لـ(اليوم الثامن):

التعليم في الجنوب.. بين التجهيل الممنهج والإضراب المفتوح

في البدء أذكّر بفضل العلم وتعليمه، في ديننا الحنيف، حيث نجد العديد من الأحداث والآثار المرغّبة في التدارس والاستمرار في التعليم، منها ما ذكرت بأن ثواب المعلم يعود إليه حتى بعد موته، وذلك بامتثال الطلاب بما علمهم مدرسهم ومربيهم من الأشياء المفيدة والصالحة. 
وفي الوقت الذي أذكر بفضل العلم وتعليمه، لا أنسى التنويه أيضاً بالوعيد الذي ورد كذلك في ديننا الحنيف، وحذر به حابس العلم، الذي اكتفى بتواجد العلم في جوفه، ولم يبلّغ أو يفيد به مجتمعه، بأن توعده بلجام من النار.

وقوفاً سريعاً أمام حالنا اليوم وما حل بالعملية التعليمية في عدن ومحافظات الجنوب، أو المحافظات اليمنية بشكل عام، في أي قسم يمكن وضع المتسببين بإيقاف وتدهور العملية التعليمية الأساسية والثانوية والجامعية أيضا في الوقت الراهن، والمتقاعسين عن أداء واجبهم، هل ضمن أصحاب الوعد أو الوعيد؟! تهاوى التعليم في الجنوب عقب الوحدة المشؤومة عام 1990م من مرحلة إلى أسوأ، بدءاً بسياسة التدمير الممنهج على المؤسسات التعليمية، ومروراً بتغيير المناهج التعليمية بذات مستوى أدنى مما كان يدرس سابقاً، ووصولا إلى تضييع حقوق المعلمين، والذي وصل بنا الحال إلى شلل تعليمي تام.

وعقب حرب غزو الحوثيعفاشي لعدن والجنوب عام 2015م، وعودة الحياة العامة، استبشر الأهالي والطلاب خيراً راجين عودة سريعة إلى المدراس والجامعات، وتعويض ما فاتهم من علم بسبب سياسة التجهيل المفروضة خلال سنواتهم الماضية، ولكن سرعان ما تبدد ذلك السرور واكتسى ثوب السراب مصطدما بإضراب شامل تحت يافطة المطالبة بحقوق مشروعة للمعلمين.

وظلت العملية التعليمية عقب حرب 2015م محبوسةً ما بين “إضراب واستئناف”، كورقة ضغط للمطالبة بالحقوق المشروعة التي تعاطف ووقف معها جميع المواطنين بما فيهم الأهالي والطلاب والجهات المسؤولة!. وفي مطلع سبتمبر الجاري، أعلنت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين في العاصمة عدن رفع الإضراب، واستئناف العملية التعليمية، وفتح جميع المدارس، وذلك عقب تعهّد السلطة المحلية بعدن ممثلةً بوزير الدولة محافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس بصرف العلاوات السنوية لأكثر من “عشرة آلاف وخمسمائة” معلم، وكذا صرف طبيعة العمل لمعلمي دفعة 2011م المحددة بموجب فتاوى الخدمة المدنية لـ 2893 معلمًا، بالإضافة إلى تعهده بانتظام صرفها “بصورة شهرية من إيرادات السلطة المحلية” إلى حين الإفراج العام للعلاوات السنوية من البنك المركزي. تقديم السلطة المحلية مبادرتها “المسؤولة” لاستئناف العملية التعليمية؛
أعاد بعض الأمل للأهالي والطلاب وكذا المعلمين المخلصين للعودة إلى المدراس، وأن يعوض المعلمون طلابهم ولو جزءاً بسيطاً مما فات خلال الأعوام الماضية، كشكر ومعرفان لأسرهم وأهاليهم الذين كانوا معهم في الصفوف الأولى في وقفاتهم الاحتجاجية المطالبة بحقوقهم. ما هي إلا أيام قليلة عقب إعلان استئناف العملية التعليمية، إلا ونسمع هنا وهناك بعض الأصوات “النشاز”، ونرى بعض الرسائل والمنشورات التي تطعن في نزاهة نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين بعدن وتتهم بعض قياداتها بـ “الخيانة”!، بالرغم من أن الأخيرة – أي النقابة – قد أنصفت المعلمين في تحقيق مطالبهم وتوفير حقوقهم، وهو ما لم يُحقق بعد لأي معلم في المحافظات الأخرى، وكأن لسان حال بعض المنتقدين يقول: “من بعثنا من مرقدنا؟!”.

الحقيقة المُرّة – بوجهة نظري وما أملاه عليَّ الواقع بالإضافة إلى الأيادي والأذرع المخربة السابقة – أن الكثير من المعلمين قد بحثوا على عمل آخر يدر عليهم بالدخل أكثر، وبجهد أقل، عقب حرب 2015م، وأصبح المرتب الذي يأتيهم من التربية مجرد تحصيل حاصل، كما إن البعض منهم من وصل إلى مرحلة التقاعد الذهني المبكر، ولم يخطر بباله قط بأنه سيعود إلى التعليم مرة أخرى، بسبب الإجازة الطويلة السابقة، ويرى أن من حقوقه “المشروعة المفروضة” ارتفاع المرتب الشهري واستلامه وهو في قعر داره!. وكل مرة تحاول السلطة المحلية، أو النقابات النزيهة الوطنية، وبجهود ذاتية وحثيثة، أن تعود العملية التعليمية يرى هؤلاء الأشخاص أو المعلمون السابقون أن العودة إلى المدراس والتعليم مرة أخرى، قد يؤثر على سير أعمالهم الأخرى “الجديدة”، وللأسف هؤلاء هم من يتحججون ويضربون، ويتهمون كل من سعى أو يسعى في إعادة العملية التعليمية بـ “الخيانة”، وإلا ما الذي يضرهم من العودة إلى المدراس ولو بتوفير جزء من مطالبهم، مراعاة للمرحلة الاستثنائية الراهنة التي راعاها زملاؤهم الموظفون في القطاعات الأخرى، وكذا إخوانهم وأبناؤهم الخريجون الذين لا زالوا ينتظرون التوظيف منذ عام 2012م بسبب تداعيات الأزمة الراهنة على البلاد. رسالةٌ إلى السلطة المحلية بعدن، والجهات المعنية في وزارة التعليم، بتشكيل لجان تربوية ومحلية تقوم بالنزول اليومي إلى كافة المدراس للتأكد من الحضور الفعلي لجميع المعلمين وتأديتهم عملهم على أكمل وجه، وإلا يتم اتخاذ إجراء إداري رادع في ذلك، وتوقيف المرتب الشهري عن الغائبين والمتقاعسين، وخصوصا بعد تقديم الحلول ومن ميزانية السلطة المحلية. كما أوجه رسالة أخرى إلى الجهات المعنية في وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلية بالمحافظات الأخرى، وقبل ذلك إلى الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، بضرورة إعادة النظر إلى حقوق المعلمين المشروعة في المحافظات المحررة الأخرى وإنصافهم، وإعادة عملية التعليم وبالشكل المطلوب، وتفويت الفرصة على المتربصين بالتطور والتعليم، وقاصدي سياسة التجهيل على المجتمع، كما أن قطاع التعليم هو الأجدر بأن يشمله برنامج إعادة التأهيل. كلنا كنا وسنظل مع حقوق المعلمين، والمصالح العامة، بشرط ألّا يسيس التعليم، أو يتم التماطل في العملية التعليمية، لأن المتضرر من ذلك الجميع، الطالب والمعلم المخلص، والمجتمع.