عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):
بداية العام الدراسي الجديد في إيران وهموم المواطنين!
لماذا يشعر المواطنون بالقلق عشية بداية العام الدراسي الجديد، وإعادة فتح المدارس في إيران، حيث أن العام الدراسي الجديد يضم في مختلف المراحل وأشكال التعليم حوالي ربع سكان إيران البالغ عددهم 85,000,000 نسمة؟
يتم في إيران تحت وطأة حكم نظام ولاية الفقيه؛ استخدام المدارس والتربويين بشكل عام، والطلاب بشكل خاص "كوقود" للنهوض بالمشاريع المناهضة للوطنية ولكل ما هو إيراني. إذ نجد على سبيل المثال أن هذا النظام القروسطي مئات الآلاف من الطلاب الإيرانيين إلى الحقول الملغومة، إبّان حرب خميني الخيانية ضد العراق لينفذ شعاره اللإنساني "فتح القدس عبر كربلاء". وتم الزج بمئات الآلاف من الطلاب في تنور الحرب، بيد أن هذا التنور لم يؤتي أكله على الإطلاق بالنسبة للولي الفقيه ونظامه قيد أنملة.
ذاق مؤسس هذا النظام الفاشي، خميني طعم الهزيمة المرير لهذه الحرب، قبل 33 عامًا، بقبوله قرار الأمم المتحدة الـ 598 وتجرَّع كأس سم وقف إطلاق النار حتى لا تتمكن القوة الوحيدة المنافسة له من تنفيذ عملية الإطاحة بنظامه.
ولا يزال هذا النظام الفاشي يرسل كل عام طوال 33 عامًا حتى الآن مئات الآلاف من الطلاب إلى الحدود الغربية، قبل بداية العام الدراسي، تحت مسمى "مجموعة قوافل التنوير" ليحافظوا بهذه الطريقة على ثقافتهم المناهضة للوطنية وللثقافة ونشرها تحت مسمى "الدفاع المقدس".
والجدير بالذكر أن علي خامنئي يخصص كل عام جزءًا كبيرًا من ميزانية الدولة للمشاريع المناهضة للقومية والوطنية، ومن بينها مشروع التسلح النووي، والحرب الإلكترونية، وتشكيل قوة "مدافعان حرم" (المدافعون عن ضريح سيدتنا زينب (عليها السلام) ، و "مراسم عاشوراء" و "الأربعين"، وتشكيل جماعات إرهابية خارج حدود ايران...إلخ. لكن هذا النظام وافق على الاستمرار في إقحام المدارس والمراكز التعليمية في إيران في مثل هذه المرحلة المؤلمة.
بالإضافة إلى مساعي نظام الملالي القمعية للتأثير على الأسر والسيطرة عليها من خلال المؤسسات التعليمية، نجد أن وضع المواطنين المزري اقتصاديًا ومعيشيًا، ولا سيما معاناتهم من الفقر وارتفاع الأسعار، وغير ذلك من الظواهر الاجتماعية التي لا تسر عدو ولا حبيب، هو السبب الرئيسي في مخاوف المواطنين. ونجد أن نتيجة هذا الوضع على المدى القصير هي التفشي المطرد للتسرب من المدارس في المجتمع الإيراني، وعلى المدى الطويل، انتشار الأمية والسقوط الحاد في المستوى الثقافي والتعليمي في إيران. فعلى سبيل المثال، نجد أن ملايين الطلاب الإيرانيين يتجهون في الوقت الراهن نحو العمل في الوظائف الاجتماعية، وأحيانًا ما يفضلون العمل في المهن المحفوفة بالمخاطر عن مواصلة الدراسة. ونجد في هذه الفئة قطاعًا كبيرًا من أطفال العمالة، وأطفال الشوارع، والأطفال الذين يمارسون بعض الأعمال، من قبيل العتالة والنوافة.
وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة "دنياي اقتصاد" الحكومية أفادت في الآونة الأخيرة، وتحديدًا في 11 سبتمبر 2022، بأن 160 طبيبًا متخصصًا في أمراض القلب هاجروا من إيران، خلال عام واحد مضى، وذكرت أن 16,000 طبيب عام أيضًا هاجروا من البلاد، خلال السنوات الـ 4 الأخيرة. كما كان "مرصد الهجرة الإيراني" قد أعلن في تقريره أن 73 في المائة من الأطباء والممرضات الإيرانيين، وحوالي 60 في المائة من أساتذة الجامعات والطلاب الإيرانيين يرغبون في الهجرة. ويفيد هذا التقرير بأن 59 في المائة من الطلاب، و 69 في المائة من الأساتذة والباحثين الإيرانيين يسعون إلى الهجرة من إيران.
هذا ويزيد معدل التضخم في إيران حاليًا عن 60 في المائة. فعلى سبيل المثال، كتبت صحيفة "آرمان امروز" ، في 8 سبتمبر 2022 أن: "معدل التضخم الشهري في يونيو 2022، منذ احتلال إيران في سبتمبر 1941 حتى اليوم غير مسبوق. وكتبت وكالة "فارس" للأنباء"، لسان حال قوات حرس نظام الملالي، في 5 أكتوبر 2021: "تفيد متابعات مصادر البنك المركزي أن نسبة التضخم بلغت 58 في المائة، في الثلث الثالث من شهر أغسطس 2021".
ويمكننا أن نتخيل في بلدٍ ارتفع فيه معدل التضخم إلى هذا الحد؛ حجم التكلفة الفلكية التي تتحمَّلها العوائل لتوفير السلع الضرورية للمعيشة بشكل عام، وتكلفة المواد اللازمة للتعليم. وأستنادًا إلى الأخبار الموثوقة المنشورة، فإن العوائل تعجز في كثير من الحالات عن توفير نفقات المعيشة، وتعجز بالتالي عن توفير المواد اللازمة للطلاب في الدراسة. ونتيجة لذلك، يضطرون إلى الإحجام عن تسجيل أبنائهم في المدارس. وهذه الحقيقة المؤلمة وصمة عار على جبين الحكام الذين لا يفكرون إلا في الإبقاء على نظامهم والحفاظ عليه!
بيد أن هذه المخاوف تنطوي على أبعاد أوسع في إيران. حيث أن الاهتراء المتزايد للمدارس التي يعود تاريخها في بعض الحالات إلى 70 عامًا، وبالتالي عدم وجود المساحة الكافية المخصصة للأنشطة الطلابية؛ من بين مخاوف الأسر في هذا الصدد، ودليل على أن هناك قلق آخر يتمثل في نقص المدارس والمراكز التعليمية في إيران.
قال عليرضا كريميان، مدير عام التربية والتعليم في طهران إن: "ما يقرب من 40 في المائة من المدارس الحكومية في طهران متهالكة". (وكالة "إيرنا" للأنباء - 9 سبتمبر 2022).
وكتبت صحيفة "همشهري" مشيرةً إلى نقص 50,000 فصل دراسي على مستوى البلاد أن مهر الله رخشاني مهر، رئيس هيئة تجديد المدارس وتطويرها وتجهيزها، قال إن: "هذه المشكلة تفاقمت لدرجة أن 40 في المائة من المدارس على مستوى البلاد تستوعب، في الوقت الراهن، أقل من 50 طالبًا.
وبالإضافة إلى المدارس المتهالكة، تُعتبر المدارس غير القياسية أيضًا أحد أسباب قلق الإيرانيين مما آلت إليه شؤون التربية والتعليم. إذ يقول المسؤولون الرسميون في الحكومة المعنيون بالتربية إن ثلث المدارس في البلاد مدارس غير قياسية.
وتُعدُّ قضية "هبوط المدارس" من المخاطر التي تهدد حياة الطلاب وأسرهم طوال فترة العام الدراسي الممتدة إلى 9 أشهر. قال مجيد نسيمي، مدير عام تجديد المدارس وتطويرها وتجهيزها في محافظة أصفهان؛ في الشهر الماضي، إن 35 مدرسة تحتوي على 356 فصلًا دراسيًا قد هبطت.
كما قال علي بيت اللهي، مدير إدارة الزلازل والمخاطر بمركز أبحاث الطرق والإسكان والتخطيط العمراني إن: "أكثر من 371 مركزًا تعليميًا في أصفهان يقعوا في حزام الهبوط. وتشمل هذه المراكز الجامعات والمدارس ومعاهد التعليم العالي، ومن بين هذا العدد 258 مدرسة. وبعض هذه المدارس قديمة، وستلحق بها أضرار أكثر في حالة حدوث هبوط أرضي". (موقع "تجارت نيوز"- 10 سبتمبر 2022).
وينأى نظام الملالي الحاكم في إيران بنفسه عن آلام المواطنين ومشاكلهم يومًا بعد يوم؛ بسبب عجزه عن تلبية احتياجات المجتمع، خاصة وأنه يعتمد على عنصر "القمع"، وفرض رغبته في الهيمنة على المجتمع، وتحوَّل إلى نظام ديكتاتوري. وهذا هو السبب في أن هذا النظام "لا يستطيع" و "لا يريد" أن يستجيب بشكل إيجابي لاحتياجات المجتمع، وينأى بنفسه عمَّا يريده ويسعى لتحقيقه. والجدير بالذكر أن تكرار هتاف "عدونا هنا، ويكذبون ويقولون عدونا أمريكا"، في جميع الانتفاضات الشعبية؛ ليس من فراغ.
وهذه هي الأسباب التي دفعت الولي الفقيه الحاكم في إيران - تزامنًا مع الوضع المؤلم في الحالة التعليمية وحالة المدارس - إلى إصدار الأمر ببناء مدارس، ومراكز ثقافية في بلدان أخرى، ومن بينها لبنان والعراق وسوريا، وحتى في البلدان الأفريقية، بغية التسلل في المجتمعات الأخرى والتجسس والاستيلاء عليها، والسعي إلى تمويل ما يسمى بالفروع الثقافية والتعليمية لنظام الملالي.
إن طبيعة سلطة ولاية الفقيه المناهضة للشعب ولكل ما هو ثقافي وعلمي لا تسمح باتخاذ خطوة واحدة في تلبية احتياجات الإيرانين. وتتجاهل مثل هذه الطبيعة الميزانية والأولويات والآليات والإجراءات على الفور. فعلى سبيل المثال، أمعنوا النظر فيما يلي:
بموجب مشروع قانون الموازنة لعام 2022، ازدادت ميزانية مركز خدمة الحوزات العلمية بنسبة 100 في المائة مقارنةً بالعام الماضي. حيث أزدادت هذه الميزانية، التي كانت تبلغ 10401 مليار تومان العام الماضي (2021)، لتصل إلى 2809 مليار تومان هذا العام.
وازدادت ميزانية "جامعة المصطفي"، وهي أحد المستفيدين الرئيسيين من الموازنة الحكومية؛ في عام 2021، بنسبة 75 في المائة مقارنةً بميزانتيها عام 2020. وهي ميزانية تعادل ميزانية وزارة التربية والتعليم في البلاد.
لذلك، ما كان ولا يزال من أولويات النظام الإيراني هو الحفاظ على نظام الملالي، ونشر الثقافة الرجعية للقمع والديكتاتورية. ويبذل نظام الملالي قصارى جهده، في هذا الصدد، لتغيير نصوص الكتب التعليمية في المدارس، ويسعى بهذه الطريقة إلى حقن ثقافته الرجعية وغير العلمية وغير الثقافية في الكتب التعليمية.
بينما لو كانت هناك حكومة شعبية تدير شؤون البلاد في إيران، لكان من المؤكد أنها كانت ستسعى إلى إعطاء الأولوية في خططها لإعادة تنظيم الوضع في التعليم والمدارس، وبهذه الطريقة، ترسم الخطوط العريضة لمستقبل البلاد بما يحقق التقدم والازدهار.
خلاصة القول:
على الرغم من أن الوضع التعليمي المؤلم مختلف في مناطق مختلفة من إيران، إلا أنه لا توجد أي محافظة أو مدينة مستثناة من هذا الوضع، ويثقل العبء على كاهل المجتمع مثل الأخطبوط القاتل. والجدير بالذكر أن الوضع في بعض المناطق، بما في ذلك المحافظات الحدودية، من قبيل محافظة سيستان وبلوشستان أو محافظة كردستان، أكثر إيلامًا أيضًا في بعض الجوانب، نظرًا لأن هذا النظام القروسطي أضاف أيضًا الاضطهاد القومي والديني إلى هذا الوضع المؤلم ليزيد الطين بلة، وحرم أهالي هذه المناطق من حقوقهم القومية والدينية في أرضهم.
وتسبَّبت اعتقالات المعلمين والزج بهم في السجون، وممارسة الضغوط على العائلات، والسياسات القمعية التي يتبناها نظام الملالي في هذه المناطق؛ في حرمان عدد كبير من الطلاب من التعليم، وتوجُّههم إلى العمل في أعمال حرة. فعلى سبيل المثال، نجد أن عددًا كبيرًا من خريجي الجامعات الحاصلين على شهادة الدكتواة والبكالوريوس والدبلوم يعملون في المهن الصعبة، من قبيل العتالة، وحتى النساء والفتيات ...إلخ، مضطرات إلى العمل في العتالة وغيرها من المهن بحثًا عن لقمة العيش، أو الحصول على أبسط ضروريات الحياة.
وبناءً عليه، طالما ظل هذا النظام المعادي للشعب يحكم البلاد، فلن يشهد الوضع في إيران بشكل عام، والوضع التعليمي في البلاد بشكل خاص أي تغيير. والحل الوحيد هو الذي هتف به المواطنون في انتفاضاتهم، ألا وهو الإطاحة بهذا النظام القروسطي ليس إلا!
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.