محمد أبوالفضل يكتب:
قطر غير مؤدلجة وإخوان مصر أداة
فتحت الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للدوحة يومي الثلاثاء والأربعاء المجال لطرح السؤال الحاضر الغائب في أذهان الكثير من المصريين وهو كيف ينعكس تفاؤل القيادة السياسية في البلدين بتطوير العلاقات على ملف الإخوان، والذي لم يحظ بمناقشات معلنة لتجنب ما ينطوي عليه من فخاخ سياسية؟
يبدو أن هذا الملف لا يمثل معاناة كبيرة للقاهرة في الظاهر، وتستطيع تحييده إلى أبعد مدى، وهو ما أكدته التجربة مع حركة حماس الإخوانية، حيث فرضت مصالح الأمن القومي التعامل معها ووضع هذا الملف على الرف في المحادثات والحوارات التي جرت خلال الفترة الماضية، وكل طرف يعلم ما يضمره الآخر ويعرف موقفه من الإخوان.
تكرر السيناريو نفسه في تجربة تركيا، فإذا كانت العلاقة مع حماس مرهونة بدواع إستراتيجية تتعلق بالأمن القومي المصري وثوابته الحاكمة في التعامل مع القضية الفلسطينية، فالوضع مختلف في حالة أنقرة، فجغرافياً تركيا بعيدة عن الحدود المصرية وأيديولوجيا لا تقل تمسكا بورقة الإخوان عن حماس.
تتفوق أنقرة في الجانب الأخير، من زاوية أن هناك دولة حقيقية وروابط قوية مع جهات غربية ونفوذ إقليمي يؤثر على التوجهات المصرية من السهولة أن يفضي كل ذلك إلى صدامات عند التباعد الكبير في حسابات المصالح.
ولذلك لن تكون الدوحة عصية على القاهرة مقارنة بتجربتها مع حماس وتركيا، خاصة أن قطر دولة غير مؤدجلة بالمفهوم السياسي العام، وأن جماعة الإخوان مجرد أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية تجيد توظيفها بالطريقة التي تخدم مصالحها.
كان عداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المؤدلج فكريا وحزبيا، مفهوما للقيادة المصرية وتعاملت معه وفقا لآليات مكّنتها من نزع أشواكه أو تقليصها مؤقتا، بينما عداء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قام على انهيار مشروع سياسي كان يستند على صعود جماعة الإخوان في مصر والمنطقة، من هنا بدأ عداء الدوحة للسيسي شخصيا، لأنه قام بدور بارز في إسقاط المشروع الإخواني وهز الثقة في من وقفوا خلفه.
أخفقت تركيا في تحقيق أهدافها الأيديولوجية، وفشلت قطر في دوافعها السياسية، وأبدت مصر استعدادها لانحناءة إيجابية مع الأولى (تركيا) تخفّض سقف العداء الذي أخذ طابعا إقليميا حادا، ووجدت أن الأجواء مهيأة لتحويل الخصومة مع الثانية (قطر) إلى صداقة من واقع تفاهمات مشتركة تقود إلى تعزيز المصالح بدلا من تنافرها.
جاء التحول المصري حيال تركيا انطلاقا من رغبة كل طرف في التهدئة بعد التأكد من صعوبة كسب المعركة، فلا أنقرة تستطيع تنفيذ مشروعها الإسلامي على حساب مصر، ولا القاهرة تتمكن من كسر شوكة أنقرة في العديد من الملفات التي يتقاطعان فيها، وكان تعزيز الهدوء خيارا شمل الموقف من الإخوان، والذي لا يزال حسمه معلقا، لأن ما بدا من تنازلات تركية لصالح مصر لا يتجاوز المكونات الشكلية.
يظل الرهان المصري على قطر أكبر من واقع المقاربة الأيديولوجية، فالدوحة كل ما يهمها أن تكون دولة مؤثرة بالإخوان أو غيرهم، بدليل استعانتها بالكثير من الخبراء من خارج دائرة الجماعة، وهم من لعبوا دورا سياسيا وإعلاميا مهما في رسم الخطوط العريضة لتحركات الإخوان، ونظرة سريعة على خارطة الأسماء المؤثرة في التوجهات القطرية تؤكد صواب هذه الرؤية.
تتمسك الدوحة بورقة الإخوان ولم تعلن صراحة أو ضمنيا التخلي عنها ولم تدخل تعديلات كثيرة على التعامل بها، ويمكن أن يحدث ذلك عندما تجد ورقة بديلة أو تحصل على مقابل سياسي يحقق لها ما وضعته من رهانات على أكتاف الإخوان، خاصة أن هذه الورقة فقدت جزءا كبيرا من بريقها في المنطقة، وتكشفت الكثير من الألاعيب التي تقلل من أهميتها في الأجندة القطرية.
تعلم مصر أبعاد هذه المسألة جيدا، وتجد فيها مدخلا لإعادة صياغة منظومة العلاقات مع قطر أسهل من حماس أو تركيا، لأن رغبة الأخيرتين في التعاون والتنسيق تعتمد على تجنب خسائر آنية وليس تحقيق مكاسب مستقبلية، بينما الدوحة ليس لديها الكثير الذي تخسره مع القاهرة، لكنها تستطيع أن تحقق مكاسب كبيرة من وراء تطوير المصالح معها، ولو أدت في نهايتها إلى تنحية ورقة الإخوان.
على الرغم من قسوة التفاهم مع الأنظمة والحركات التي تتبنى مواقف سياسية من منطلقات أيديولوجية، غير أن ديماغوجيتها تجعلها غير قادرة على إخفاء ما تضمره، وهو ما كشفته العديد من مواقف حماس وتركيا، تؤكد في محصلتها أن مبادئ الإخوان جزء أساسي في الخطاب السياسي، وهو ما لا ينكره المسؤولون في مصر.
تصبح الوطأة أشد في الحالة القطرية مع أنها بعيدة عن الأدبيات الظاهرة في تصورات حماس وأنقرة وتصرفاتهما، الأمر الذي يحتاج إلى جهود كبيرة من القاهرة للتوصل إلى قواعد راسخة وأسس حاسمة مع الدوحة بشأن الإخوان، ويلعب المقابل المادي والمعنوي الذي ستحصل عليه دورا محوريا في هندسة العلاقة في الفترة المقبلة.
عندما جاءت قطر إلى مصر أو العكس، جال في ذهن كليهما سؤال الإخوان وكيفية عبوره، فلن تكون هناك علاقات مستقرة بين البلدين دون وضع نهاية لهذا الملف الحساس للغاية، وترتبط معالجته بالكثير من التطورات في مصر، ولا يصلح التعامل معه بطريقة “عفا الله عما سلف” أو تنحيته جانبا، لأن كل تقدم يحرزه الطرفان في العلاقات السياسية والاقتصادية والإعلامية سيطرح سؤال الإخوان.
قطر هي الأرض الخصبة التي صعدت منها جماعة الإخوان وأسهمت بدور كبير في منحهم ما حصلوا عليه من مزايا ونفوذ سياسي في مصر وكل الدول العربية تقريبا، وأيّ تحول سلبي من قبلها لن يكون قاصرا على القاهرة، فأبعاده ممتدة في العديد من العواصم التي تنتظر إجابة عن سؤال: أين المفر؟
لن تصبح المسكنات مجالا مناسبا لمصر، ولن تكون مريحة للدوحة، فتعليق الملف سياسة غير منتجة، ربما تكون مكلفة، لأن السيطرة عليه صعبة، فعند كل منحدر بين البلدين سيطفو سؤال الإخوان، ويمكن تفسير هنات هنا أو هناك على أنها مناوشات ومشاكسات، ما يعني أن العلاقة بين القاهرة والدوحة من الصعوبة أن تستقر قبل إيجاد حل لإشكالية الإخوان.
إذا عثر البلدان على حل مناسب يحقق التطلعات المشتركة فهذا يمهد الطريق لانطلاقة جيدة، في حين الإخفاق يعني أن ثمة جولة جديدة من الصدام تجهّز لها الدوحة، مستفيدة من المطبات السابقة، وأن ورقة الإخوان من الأدوات الإستراتيجية في السياسة القطرية التي لن تتخلى عنها، ما يضع العلاقة مع مصر فوق صفيح ساخن على الدوام.