أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

اذا .. لم يتبق لنا الا الخيار الثالث ياصديقي !

برلين

   في أحد لقاءات فريق الحوار مع المكونات السياسية والمجتمعية الجنوبية , كان لنا لقاء مع رئيس مكون سياسي يمتلك رئيسه على الجانب الشخصي خبرة , وتجربة سياسية كبيرة , وكنا نعلم أن موقفه من قضية الجنوب بهدفها الاستراتيجي لا ينتصر لخيار الاستقلال الذي طالما وعبر عنه شعب الجنوب في مختلف المناسبات والمراحل بصورة جلية وحاسمة, ولكن الرجل كما أسلفت يملك قدرة على قراءة الواقع السياسي بشكل دقيق , الأمر الذي سهل مهمتنا معه , وانتج في آخر الأمر نوعا من التوافق الكبير معه من حيث المبدأ حول قضايا الحوار .

   في ذلك اللقاء , قمنا باستعراض رؤية الفريق الشاملة للحوار بقضاياها الرئيسية , وبعد ان انتهينا من الشرح والايضاح , لم يخفي الرجل اعجابه الشديد بما سمع وطرح عليه من رؤية ,وصفها بأنها طموحة ومتماسكة وفاقت كل ما كان يتوقع ان يسمعه او يتأمله , وفي الحقيقة ان رؤيتنا للحوار بشهادة الجميع , تلبي جميع متطلبات المرحلة وتؤسس فعليا لبناء شراكة حقيقية لوطن جنوبي يصنع نظامه السياسي الفيدرالي جميع القوى السياسية والمجتمعية الجنوبية بلا استثناء, دون وصاية من طرف على آخر, وهي رؤية تتطلب الكثير من الصبر والمثابرة وتحمل المسؤولية من الجميع من اجل انجاحها , وتحقيق اهدافها.

   على الجانب الآخر ..الرجل كان صريحا معنا, وقال بما كنت شخصيا اتوقعه , بأن حسابات الأمر الواقع , والتطورات التي تتشكل على الأرض تشير الى وجود خيارين اثنين , الخيار الأول, و يتمثل في أن تبرز قوة عسكرية " يمنية " تملك القدرات اللازمة التي يمكن من خلالها الحاق هزيمة ساحقة بمليشيات الحوثي , بما يؤدي الا استعادة صنعاء العاصمة ومؤسسات الدولة , ومن ثم تفرض هذه القوة هيمنتها على كامل التراب اليمني وهذا الخيار – الذي يؤيده ان حدث - يبدو : مستحيلا "  ! وأما الخيار الثاني فهو أن يتمدد الحوثي , ويفرض هيمنته عسكريا وسياسيا على جميع المحافظات الجنوبية , وهذا الخيار " مرفوض " ولا يمكن قبوله في الجنوب وعلينا ان نقاومه جميعا... وأمام هذا الواقع الذي يظهر هيمنة للحوثي على كامل اراضي الشمال تقريبا, ومع استمرار تهديده للجنوب , وازاء انه لايبدو ان هنالك افق عسكري لازاحته نهائيا, ولأنه سيكون مرفوضا ان يمتد نفوذه ليشمل باقي محافظات الجنوب , فانه لم يعد لنا أمامنا من خيار كجنوبيين , الا ان نعمل على ترتيب وضعنا في الجنوب من خلال حوار جنوبي جاد ومثمر.

   ازاء هذا الطرح الواقعي- الصريح الذي تقدم به الرجل , كنت سعيدا بسماعه وحزينا في نفس الوقت ..! سعيدا لأننا كفريق حوار لا نريد ان نترك خلفنا اي طرف جنوبي , وهو بما قال منطلقا من حسابات صحيحة ,بات قريبا مما نريد من الكل أن يتوصل اليه معنا, وحزين ان يكون الدافع الرئيسي الذي حدا به للتقارب معنا يتعلق الى حد كبير ب"حسابات الأمر الواقع " وليس بدافع الحسابات الوطنية الصرفة التي يفترض ان تكون المحدد الرئيسي لمواقف مختلف الأطراف الجنوبية بلا استثناء .. بدليل عدم ممانعته ان تأتي قوة شمالية او مختلطة لتفرض قوتها على اليمن مجددا تماما كما فعل علي عبدالله صالح وحزب الاصلاح ومن تحالف معهم عام 1994 م ! .. ولا اعلم ..هل نسي صديقنا أن ذلك الخيار الذي يؤيده ويبدو مستحيلا حاليا , انه هو الذي انتج الواقع المرير الذي نعيشه جميعا اليوم ؟! 

   الملفت للانتباه .. أن القراءة الدقيقة لصحابنا المتمثلة في الخيار الأول الذي يبدو مستحيلا بحسابات الأمر الواقع , والذي يغلق جميع المنافذ أمام انصار ما يسمى بالدولة الاتحادية اليمنية من الجنوبيين ,يفترض ان يكون واضحا ايضا امام الجميع بنفس الدقة, وعلى اساسه يفترض أن تنطلق حساباتهم السياسية في كيفية التعامل مع هذا الواقع الذي لايفتح الا طريقا واحدا .. وهو طريق الجنوب .. طريق عدن عاصمة لدولة جنوبية فيدرالية على حدود 21 مايو 1990 م , وبغض النظر عن كون هذا التقارب الجنوبي المرتقب, سيكون ناتجا عن حسابات سياسية على طريقة صديقنا , او بحسابات وطنية صرفه تتنصر لارادة شعب جبار قدم ولازال يقدم الكثير,و لتضحيات الشهداء التي خطت دمائهم لنا جميعا طرق وفضاءات واسعة.. بغض النظر عن الدافع الرئيسي للتقارب الجنوبي الضرورة .. فان علينا ان نؤمن جميعا ان هذا التقارب المنشود انما هو " الخيار الثالث " الذي يبدو منطقيا وواقعيا ووطينا ايضا بخلاف الخيار الاول المستحيل عمليا والثاني المرفوض اخلاقيا ... اذا ..لا يجب علينا بعد ذلك ان نتردد في الذهاب معا الى هذا الخيار الأسلم والأمثل ... انه الخيار الثالث يا صديقي.

  أحمد عمر بن فريد