د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
المغضوب عليهم يحكمون بغداد بقدرة قادر والملالي لا ينقصهم سوى إصلاحات
عجيب هذا العالم المجرد من الصدق والحقيقة والمنطق يخاطب هذه المنطقة من البشرية وكأنها لا تكاد تفقه حديثا ولم يصلها الإدراك بعد وهي أول من عرف الحضارة والتشريع والعلوم، أو كأن العالم يُعاد رسمه من جديد ولابد للملالي ومرتزقتهم أن يكون لهم دور إلى جانب النظام العالمي المتوهم في عملية إعادة الرسم هذه التي هي ليست رؤى ومنافع محدودة ضيقة.
تُرا ماذا حدث بين ملالي طهران وجندهم في بغداد من جهة والنظام الدولي من جهة أخرى؟
وما حجم الثمن الذي دفعوه ويتوجب على ملالي إيران دفعه من أجل البقاء في السلطة، وماذا الذي دفعته عصاباتهم وذيولهم في بغداد ولبنان؟
هل كان محض صدفة أن تزامنت قضايا إطلاق سبعة مليارات دولار للملالي، وترسيم حدود لبنان البحرية والاعتراف اللبناني بسلطة الإحتلال في فلسطين والجلوس معها كدولة، وعودة اللصوص المغضوب عليهم إلى السلطة في بغداد؟
ما الذي منع الثوار الذين اسقطوا حكومة الكاظمي واحتلوا مبنى البرلمان وغيره في بغداد من إسقاط السلطة كليا وإعلان سلطة حكم جديدة؟ وهل كان ذلك نتيجة فراغ قادة أم تدخلات إقليمية ودولية؟ وماذا يخفي مقتدى الصدر وقاسم الأعرجي والمستبعدون عن امتيازات السلطة فأجوبة أسئلة كثيرة لديهم ولدى الملالي وجنين بلاسخارت والإدارة الأمريكية.
ما الذي دعى الإدارة الأمريكية إلى التصريح نيابة عن الشعب الإيراني بأنه يريد إصلاحات، وبمعنىً آخر تُبدي هذي التصريحات في ظاهر القول أن نظام الملالي الدكتاتوري نظام لا بأس به ولا يحتاج سوى بعض الإصلاحات المتعلقة بالحجاب كما تشير إلى وجود مستجدات سياسية لصالح نظام الملالي بعد تلك المواقف الساخنة، وكأن لم تكن هناك أزمة على السلاح النووي، ومجازر إبادة جماعية للسياسيين، وأعلى معدل لعقوبة الإعدام العبثية في العالم، والتعذيب في السجون وانتهاكات حقوق الإنسان، واضطهاد الأقليات، وكأن لم يكن هناك شعبا منتفضا بأطفاله ونسائه ورجاله ونساء محجبات وغير محجبات؟ هل حدث في بغداد شيئ جاء على إثره مباركة حكومة الإطار الجديدة رغم عن أنف الغالبية العظمى من الشعب العراقي من جهة، وإظهار المرونة وتغيير المواقف السياسية من جهة أخرى تجاه نظام الملالي الرجعي المتسلط على إيران.
لقد كانت الأحداث المُثارة ضد طهران وبغداد في قمة الخطورة وتوحي بأن النظام العالمي يشعر بالعار تجاه مفاوضاته مع ملالي طهران وتجاه العملية السياسية التي أقامها في العراق وسئم من فضائحها وأنه سيلقيها في الجحيم ويحافظ على ما تبقى لديه من ماء الوجه ويقيم بديلا أصلح منهم، وعلى الجانب سيري نظام الملالي الفاشي منهم ما كانوا يحذرون، ثم يظهر على الأرض ما يشير بشكل أقرب إلى الجزم بأن ما جرى كانت مناورات سياسية للنظام العالمي وتجاوب معها الجناة الذين وجدوا على الدوام في سياسة المساومة والإسترضاء خلاصا ونجاة لهم ودوام امتيازاتهم وبعدهم عن المساءلة لطالما أن ما يجري يتم مع راسمي السياسة الدولية التي باتت تعمل في العلن غير آبهة بأي شيء في ظل الأحادية القطبية التي بطشت بالشعوب المستضعفة فوق ضعفها وما تعانيه من بؤس كما فعلوا في إيران بتمكين سلطة الملالي، وفي العراق بهدمهم الدولة وحل مؤسساتها وتمكين عصابات نظام ملالي طهران من التسلط عليه ونهبه، أو كما حدث في سوريا من هدم للدولة وبنيتها التحتية ونزع قدرات النظام مع الإبقاء عليه في سدة الحكم وتشريد ما يقرب من نصف الشعب، أو كما حدث في اليمن ولبنان وتغليب عصابات الفاشية الحاكمة في إيران باسم الدين، أو ملابسات وتبعات ما حدث في أوكرانيا.
أريناهم العصى الغليظة فاختاروا الجزرة
عندما تختفي القيم والثوابت اللائقة للعلاقات البشرية نعود كما كنا عندما كان العالم غابة يبتز فيها القوي الضعيف ويأكله ويكون للمساومة حظا أوفر في العلاقات بين أصحاب المنافع المشتركة وهذا بتعبير مهذب، عندها تظهر الحاجة إلى قيام مظلة عامة تنظم وتهذب العلاقات بين الدول كمظلة عصبة الأمم التي أصبحت فيما بعد وإلى الآن باسم الأمم المتحدة التي نشأت في حينها كضرورة بعدما أكلت البشرية بعضها في الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتان أعادتا تنظيم العالم مواقع وقدرات وتراتبية، ويعيد التاريخ نفسه اليوم ولكن بحروب ناعمة تبدأ بإبتزازات ومساومات وتصل لمستوى الحروب العسكرية وأزمات كبرى واحتلال واجتياح دول وتدمير وجودها وتشريد شعوبها.
نجى نظام الملالي آنيا في مواجهاته مع المجتمع الدولي برضوخه التام وتراضيه مع النظام العالمي الذي أطبق الخناق عليه وعلى مرتزقته في بغداد وها هي جماعة الإطار تعود إلى سلطة حكم العراق، وفجأة وعلى نحو أقرب إلى السحر حي تذللت كل الصعاب التي كانت في طريقها بين عشية وضحاها فلم يعد مقتدى الصدر عقبة ولا حزب البرازاني عقبة، ولا استحقاق رئاسة الجمهورية عقبة، ولم تعد هناك عقبات أمام محمد شياع السوداني مرشح الإطار المقبول لدى الملالي والغرب، وكل ذلك يفسر ما جرى خلف الكواليس، وتؤكده قرارات التنقلات الإدارية السريعة التي اتخذها السوداني مراعيا لمصالح الإطار ومصالح الملالي المختنقين في طهران.
ما لا يريد أن يدركه تيار المهادنة والإسترضاء مع نظام الملالي هو أن الإنتفاضة ليست إنتفاضة حجاب وأن المحجبات هن أكثر المشاركات في الإنتفاضة وأن الرجال أيضا مشاركين في (الإنتفاضة الوطنية الإيرانية التي تهدف إلى إسقاط النظام الموبوء برمته وازالته من الوجود وإنقاذ الشعب الإيراني وشعوب المنطقة منه ومن شروره)، وأن سقوط النظام الإيراني أمر حتمي لا محالة وأن إصرار الشعب على ذلك أمر مصيري لا تراجع عنه وأن دماء الأبرياء من أبناء الشعب الإيراني وشعوب المنطقة مقدسة وباهظة الثمن وعلى النظام أن يدفع هذا الثمن عاجلا أم آجلا، وسيسجل التاريخ صفحات سوداء لهذه الحقبة المظلمة بكل تفاصيلها.
وإن غدالناظره قريب
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي