د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

من ضيع الجنوب العربي ؟!!

العنوان هو السؤال الذي  يطرح نفسه ليس على جيل واحد بل على كل الأجيال الجنوبية منذ العشرينيات من القرن الماضي وحتى اليوم ؟؟!!!
فمن لديه الصدق  والشجاعة ليجيب علي السؤال : من الذي ضيع الجنوب العربي ؟ 
وحتى لا نحمل طرفا واحدا بعينه نقول اننا جميعا شاركنا في ضياع الجنوب ولكن كيف حدث ذلك ؟!!
ولماذا فشل الجنوبيون تاريخيا  في تأسيس دولة قوية موحدة من المهرة حتى باب المندب حتى أفقنا على أكثر من عشرين إمارة وسلطنة ومشيخة جنوبية في مطلع الستينيات ؟!؟
لماذا اختلفنا فيما بيننا وذهبنا الى الجارة " اليمن المتوكلية " بداية ثم " الجمهورية " لاحقا ؟ ولماذا لم نحل خلافاتنا بيننا في الجنوب بل وارتهنا لهم ليوسعوا الهوة بيننا ؟!!
أسئلة كثيرة تتناسل ولم نجد لها جوابا شافيا ..علما أن حكم السلاطين في الجنوب كان أرحم ألف مرة من حكم الأئمة ورؤساء الجمهورية في اليمن !!
ولكن غلطة السلاطين في الجنوب هي أنهم كانوا عشرين رأس في جسد واحد كل واحد يقول : انا ومن بعدي الطوفان !!
وبالرغم من معاهدات الحماية بين بريطانيا وتلك السلطنات والامارات الجنوبية لم تكن جائرة ضد شعب الجنوب وكان البريطانيون أدهى سياسيا وأرحم الف مرة  من الفرنسيين وأعمالهم الاجرامية البشعة والمجازر الدامية التي قاموا بها في الجزائر!!
وكان سلاطين وأمراء الجنوب أكثر رحمة وشفقة على الشعب في الجنوب من الحكم الامامي  الذي قام على جثث آلاف اليمنيين وهنا لا نبرئ ساحة حكام اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وقد كانوا أشد اجراما وفتكا من حكم الأئمة في اليمن !!!
وأكلوا الأخضر واليابس طوال حكمهم المتناسل حتى اليوم أما الجنوبيون فقد ضيعوا بلادهم وفشلوا في التفاهم فيما بينهم وينطبق عليهم المثل القائل " شاة البلد ما تعشق إلا التيس الغريب " !!
وأنا هنا لا أبرئ نفسي فقد طبلت مع المطبلين  وأصابتنا العدوى من خطابات الرئيس عبدالناصر والقومية العربية التي تبخرت يوم 5 حزيران الأسود وما تبعها من تداعيات لا زالت تجر أذيالها على العرب جميعا حتى اليوم !!
وعندما نال الجنوبيون  الاستقلال لم يدركوا حينذاك إن لديهم وطن رائع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، تتوفر فيه كل مقومات الدولة الناشئة المترامية الأطراف ، من حيث المساحة الكبيرة ،والثروات النفطية ،والغازية والمعدنية، والبحار المليئة بالثروات السمكية ،والموانئ الدولية الهامة، ويأتي في طليعتها ميناء عدن الاستراتيجي، الذي يقع على ملتقى الشرق والغرب ..كما تطل موانئ المكلا وبير علي ونشطون ،على بحر العرب . لم يدركوا أن لديهم رأسمال بشري يبني الاقتصاد من العدم في طليعته الرجال الحضارم الذين يتمتعون بعقليات تجارية فذة ويحولون التراب إلى ذهب بمهارتهم وعبقريتهم .. إلى جانب رجال شجعان من شبوه ويافع والمهره وأبين ولحج ..وعدن بمدنيتها التي سبقت سائر مناطق الجنوب الأخرى بل ودول الجزيرة العربية علما وحضارة ورقيا !! 
لم يدرك الجنوبيون أنهم بعد خروج بريطانيا قد ورثوا عنها أفضل الأنظمة الإدارية في الشرق الأوسط !! فماذا فعلوا بها و بوطنهم وأبناء جلدتهم عندما نالوا الاستقلال ؟؟؟ لقد قامت الجبهة القومية بإقصاء كل الطيف السياسي الجنوبي وانتهج وريثها : (الحزب الاشتراكي اليمني ) الماركسية ، ومارس أعمال القتل العلني ،ضد المواطنين، وأمموا الأراضي الزراعية والمساكن، وانتهجوا التطرف والتبعية في السياسة الخارجية، وأدمنوا الصراعات الداخلية واغتيال رفاقهم.. فدمرتهم نظرتهم القصيرة المدى ودمرت الجنوب وسلموه لقمة سائغة لقوى التخلف والظلام!! 
واليوم يكرر أبناء الجنوب نفس الخطأ والخطيئة ولم يعتبروا ولا زالوا يتمسكون بالمناطقية والقبلية والتطرف وان بصور أخرى... تجاذبات ومهاترات وصراعات على الوظائف وعلى المصالح و أضاعوا التصور الاستراتيجي لبناء وطن كبير فيه كل إمكانيات الخير والتقدم. ومن المفارقات العجيبة إن كافة القوى السياسية في الجنوب يتفقون على استعادة الدولة والوطن الجنوبي بحدود ما قبل عام 1990م   ومع ذلك لا زالوا أسرى الماضي الدامي ولكن هل سأل أي جنوبي نفسه  : لماذا الشماليون بمختلف أطيافهم السياسية اليسارية واليمينية والدينية والطائفية والعسكرية والقبلية متوحدون أمام الجنوب ..واعتباره جزء لا يتجزأ من ممتلكاتهم رغم خلافاتهم وتبايناتهم إلا أنهم سرعان ما يتركونها من اجل أن يبقى الجنوب تحت إدارتهم ووصايتهم !! وفي المقابل نجد الجنوبيين لا زالوا أسرى الماضي ويستجرون خلافاته وأحقاده ولم يتفقوا على بناء وحدة وطنية حقيقة تضمن استعادة دولة الجنوب ونجدهم منقسمون تحت عناوين : الثورة والرجعية والثورة المضادة والعمالة واليمين واليسار والطغمة والزمرة وأصحاب الفيدرالية وجنوب عربي الخ .. كل تلك الأمور ما هي إلا عناوين وشماعات تخفي تحت عباءتها نزغ وأطماع الذات الجنوبية للوصول إلى السلطة ولم نتعلم من دروس الماضي رغم ما مر علينا من تجارب حيث يشهر كل طرف سلاحه في وجه الآخر عند أول خلاف!! 
ما أشبه الليلة بالبارحة إنهم يكررون نفس الأخطاء التاريخية  القاتلة و ليس لديهم الصبر والإخوة الحقيقية ولا يمتلكون غير الخداع والعقلية التآمرية ضد بعضهم البعض !!
إنني أدعو كل أبناء الجنوب من على هذا المنبر الحر أن يعودوا إلى رشدهم ويحكموا عقولهم فالوطن يتسع للجميع وهو بحاجة إلى بناء جيش واحد وامن واحد وإدارة واعية وبرجال نظرتهم صادقة للوطن وطموحهم كبير بحجم هذا الوطن !! والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو: أين كنا ..وأين أصبحنا؟؟ عشية الاستقلال الدينار يساوي 2.13281 غرام من الذهب الصافي. هذا يساوي بعملة اليوم .... 83.18 دولار ويساوي .... 83.18x 520 = 43235 ريال يمني راتب موظف أي أن موظف اليوم يحصل على دينار جنوبي بعملة 1967 فأي انهيار هذا للعملة والقيم الإنسانية!!! فكيف نتجاوز تلك الانتكاسات ؟؟ إن استعادة العملة الوطنية لبعض ما فقدته لن يكون إلا بعد توقف الحرب وعودة حركة الاستثمار وتدفق العملات الأجنبية وتدفق المساعدات والقروض وتصدير النفط والغاز !! علينا نبذ الخلافات وبناء أجهزة الدولة بناء  مهنيا وليس مناطقيا قبليا فذلك فيه كل الشر على الجنوب حاضرا ومستقبلا. البلاد اليوم ممزقة بين عدة جيوش وقوات وإدارات وتعج بالقتله والمجرمين وبعديمي الكفاءة والمؤهلات.. اللهم إلا لأنهم ينتمون لهذا الطرف أو ذاك. فهل آن الأوان لوقف هذا العبث ؟؟؟

د . علوي عمر بن فريد