د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حين تسرق الأوطان

عدن

حين تسرق الأوطان تُصبح مزرعة للصوص والإرهابيين، ويزدَاد الغنيُّ غنى، والفقيرُ فقرا، ويوقَّر السفيه، ويُسفه الشريف، ويرتفع المُفسد، ويُهان الكريم، ويُحتقر المعلّم والمتعلّم ويهان العلم ويعلو شأن الجاهل،  ويُقرَّب المنافق، ويُسجَن صاحب القلم الحر، ويُكافأ المسيء، ويَتسلّط الوضيع، وتُقمع النوايا، وتُخترق القوانين، ويصبح الفساد عرفا، والسرقة فنا، والمفسدون جزءا من الوطن، وتصبح  الرشوة مصدرا للرزق، ويكون الحرام حلالا والحلال حراما وهنا تضيع الأوطان
حين تسرق العقول وتهمش الكفاءات وتُداس الكرامات وتتحوّل الثورة إلى ثروة، ويتحوّل الوطن إلى سجن كبير والمنادي بالحرية مارقا، والحر عبدا في وطنه، والمجرم طليقا، والسجّان مسجونا. ويكون المشعوذون أكثر من الحكماء، والدهماء منظرون، وكل من أطلق لحيته إماما وقدوة، وكل فاجر بطلا، وكل مصلح خائنا وعميلا. وحين يصبح الوطن مستباحا، وخزائنه منهوبة، تضيع الأوطان
وحين يصبح الموظف الفقير ثريّا بين يوم وليلة، تُصاغ القوانين لخدمة المتنفّذين، ويتحكّم التجار في لقمة الفقراء، وتصبح ثروات الوطن بأيدي اللصوص، ويتحول  الدين  إلى سلعة، والمذهبية   شعارا، والغريب مقرّبا، والمواطن مُطارَدا، والمثقف متهما، والصحافة سخافة، والإعلام مضلِّلا، وحين ترتفع راية الباطل، ويصبح الاحتيال شطارة، والنفاق طهارة وعند ذلك تضيع الحقوق وتسقط الأوطان
وهؤلاء اللصوص رغم نذالتهم وفحش مبادئهم لكننا بسببهم تعلمنا أن الثقة المطلقة بالبشر بلاهة، وأن المجاهرة بالأحلام حماقة، لذلك عندما تواجههم أمامك حلان، إما أن تتهيأ وتحشد شجاعتك، وتسن نصل جسارتك، وتمتزج بالصبر لتعيد مكانك إلى غمدك، أو أن تختار الهروب لتصوغ بداية جديدة، هذه البداية تحتاج أن تكون صنديدا وأن تؤمن أن الهمم تخمد الهزائم، عليك أن تآلف لغة اللامبالاة، وأن تروض إحساس الفقد الذي سيعتلي أوقاتك، استقوي باليقين بأنك ستظفر بمكان باهر، ولا تفقد شهية رسم علاقات جديدة، ولا تمارس التشكي لأنه من شيم الخائرين، ولا تكترث بجعجعة الشامتين، وتعلم فن حسن اختيار المحيطين بك، واحرص أن لا ترشد لصوص الأوطان على عنوان مكانك الجديد.
وصدق الشاعر فاروق جويدة عندما قال :
الآن يا وطـني أعود إليك
تـوصد في عيوني كل باب
لم ضقـت يا وطني بـنـا
قد كـان حلـمي أن يزول الهم عني عند بابـك
قد كان حلمي أن أري قبري علي أعتابـك
الملح كفـنني وكان الموج أرحم من عذابـك
ورجعت كـي أرتاح يوما في رحابك
وبخلت يا وطني بقبر يحتويني في ترابك
فبخلت يوما بالسكن والآن تبخـل بالكفـن
ماذا أصابك يا وطـن ؟؟!!
د. علوي عمر بن فريد