أنور التميمي يكتب:
الحوثي ومأزق السلام
لأنها مليشيا تتنفس حربا، فإن أكسجين السلام يخنقها، فلا تقبل باستحقاقاته، التي تتطلب إعادة تموضعها في المجتمع اليمني بحسب وزنها الحقيقي، الذي لا يتعدى كونها أقلّية انقلبت على الشرعية بالسلاح.
فالحوثيون الانقلابيون ليسوا إلا ذراعا للخارج، ورعاتُهم وداعموهم لن يسمحوا لهم بأن يقبلوا بشراكة وطنية مع بقية القوى اليمنية.
مبادرات السلام الأممية والمبادرات، التي تتبناها الدول الإقليمية الفاعلة لإحلال السلام في اليمن، ستُفشلها مليشيا الحوثي الإرهابي، كما أفشلت مبادراتٍ واتفاقات وهُدناتٍ سابقة.. لأن طبيعتها وتربية مُنتسبيها والدور المنوط بهم في اليمن، والمنطقة عموما، تتعارض مع أي استحقاق السلام.
ونرى دعاية "الحوثي" الإرهابي تتناول التحركات الدبلوماسية الأممية والإقليمية الأخيرة لتجديد الهدنة في اليمن لتخفيف معاناة اليمنيين، وكأنّها "نصر سياسي ودبلوماسي له".. فإذا كانت هذه المليشيا استغلت الهدنات السابقة لإعادة ترتيب صفوفها وإعادة تسليح نفسها، فإن هذا ليس مكسبا إلا بالمعني المليشياوي للمكسب والخسارة، فالمليشيات لا تجيد إلا العنف، وترى كل حيلة وكل خديعة وكل ابتزاز مكسبا دبلوماسيا.. فالعقل المليشياوي يتباهى بأنه احتجز شعبا رهينة، وأن استخدامه الانتهازي لهذه المعاناة أسفر عن اختيار إنسانية الأشقاء العرب والمجتمع الدولي التحرك لتخفيف معاناة الشعب اليمني.
الحديث الأخير عن تفاهمات إقليمية مع "الحوثي" لحل أزمة المعاشات والرواتب في مناطق سيطرته، ووضع معالجات وآلية لدفعها، يقودنا لسؤال أخلاقي:
مَن له حق التباهي بهذا الإنجاز إن تم أصلا؟
"الحوثي"، الذي سرق هذه المعاشات وحرم الموظفين منها طوال ثماني سنوات، أم مَن يسعى لصرفها؟
مَن له الحق في التباهي والحديث عن انتصار سياسي ودبلوماسي وأخلاقي؟
مَن سرق الاحتياطي النقدي من البنك المركزي اليمني، البالغ خمسة مليارات دولار، أم مَن يرفد البنك المركزي اليمني بالودائع المالية حتى لا تتعرض العملة اليمنية لمزيد من السقوط؟
مَن قال -معربدًا- إنه يدوس على كل المعاهدات والاتفاقات الدولية الإنسانية ومَن التزمَها والتزم أخلاقيات الحرب حتى عند اشتداد المواجهة ولم يستخدم القوة المفرطة، التي كان يمكن لها أن تُحدث نصرا خاطفا، ولكنه آثر تجنيب المدنيين الموت؟
إن عقلية "الحوثي" هي ذات العقلية المريضة، التي تظهر بها كل مليشيا يحركها الخارج ضد أوطانها، تماما مثل مليشيا "حزب الله" في لبنان، التي تقف علنا ضد محيطها العربي وترتكب جرائم بحق شعوبه.. فكيف يفكّر هؤلاء؟! أي تربية وأي عقيدة هذه، التي تصل بمعتنقيها إلى هذا الحد من السقوط؟
سنفترض جدلا بأن ما يتردد في دعاية "الحوثي" الإرهابي عن حل مرتقب لأزمة الرواتب في مناطق سيطرته صحيحا.. فمِن أين للحوثي المليشياوي القدرة على التعاطي مع هذا الأمر الذي يتطلب مؤسسات دولة؟
من أين للحوثيين الكادر الوظيفي، الذي يرى في الوظيفة العامة خدمة للشعب وليس تكليفا سماويا؟
فالجهاز الاداري والمالي في مناطق سيطرة "الحوثي" الإرهابي صار حكرا على الطائفة والأتباع، وتم إبعاد الكادر المهني السابق.. فكيف سيتعامل هذا الموظّف المصطفَى سُلاليًّا كما يعتقد مع الموظفين؟
كيف سيتعامل الإرهابيون الحوثيون، الذين تشرّبوا العنف والدماء والقتل، مع المال العام، وهم يرون أن كل شي في اليمن حلالا لهم؟
ألم يقل جدّهم لمن ذكّروه بالعقاب والحساب يوم القيامة عند مصادرته أموال الناس بالباطل: "إن الله سيحاسبني على ما تركته لهم، وليس على ما أخذته منهم"؟!
هذه العقلية عادت من جديد وصارت سلوكا لمنتسبي "الحوثي" الإرهابي اليوم.
لذا فمنطق السلام الشامل يضع أمثال هؤلاء أمام استحقاقات لا يستطيعون التعاطي معها والوفاء بها، وهذا حاليًّا مأزقهم أكثر من أي وقت مضى.