محمد فيصل الدوسري يكتب:
دبلوماسية الإمارات.. الوساطة المثمرة دائما
أثمر تحرك دولة الإمارات الأخير في ملف الأسرى بين روسيا وأوكرانيا نتائج إيجابية بنجاحها في تبادل 63 عسكريا روسيا و116 أسيرا أوكرانيا.
واعتمدت الدبلوماسية الإماراتية في ملف الأزمة الأوكرانية على مبدأ الحوار، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة للوصول إلى حلول توافقية، ما أدى لنجاح عدة مبادرات مرتبطة بتبادل الأسرى بين أطراف الصراع، وتخفيف أزمة الغذاء العالمية، عبر استئناف الصادرات الأوكرانية والروسية، ما يعكس المصداقية والموثوقية، التي تتمتع بها دولة الإمارات على الصعيد الدولي، فمساعيها الخيّرة وفاعلية قوتها الناعمة في أصعب الأوقات شدة لم تقتصر على روسيا وأوكرانيا، بل استهدفت قضايا العالم كافة.
وتحظى الوساطة الإماراتية برعاية مباشرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، الذي تواصل هاتفيا بالرئيسَين الروسي والأوكراني في عدة مناسبات، وقام بزيارة رسمية إلى روسيا حصدت جميعها ثمراتها، من خلال الاستجابة الإيجابية وترحيب الدولتين بمساعي دولة الإمارات للوساطة في توقيتات دقيقة تتزامن مع تصاعد حدة العمليات العسكرية في شرق أوكرانيا، واستمرار الدعم العسكري الغربي للقوات الأوكرانية، مع اقتراب دخول الحرب بين الدولتين عامها الثاني.
وهذا بالضبط ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمناسبة زيارة رئيس دولة الإمارات مؤخرا إلى سان بطرسبرغ، حين قال: "من الممكن أن يكون لدولة الإمارات دور مهم ضمن الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا".
وغني عن الذكر، أن الحرب في أوكرانيا أحدثت تأثيرات ضخمة في النظام الدولي، وصارت لها تداعيات كبيرة على العالم، وفي تقديري تشير الأحداث إلى مُناخ متصاعد الحدة، وكأن الأزمة تدور في دائرة مفرغة، ما يتطلب تكثيف أدوات التضامن العالمي، وجعل جسور الحوار طريقا لحل الخلافات.
لذا، فمن الضروري إبقاء الباب مواربا، وتقديم المصالح الاقتصادية على النزاعات والحروب، بما يتناسب مع التحديات العالمية الراهنة، فالاقتصاد هو محرك السياسة، وهذا ما تعوّل عليه الدبلوماسية الإماراتية الفاعلة، فعندما تضع المكاسب الاقتصادية الاستراتيجية في مواجهة الأزمات على طاولة المفاوضات، ستنتصر مصالح الدول على الحروب.
إن دولة الإمارات تمتلك مقوماتٍ عديدة للنجاح في مبادرات الوساطة، مهما كانت طبيعة الملفات وصعوبتها، ولعل ذلك يعود إلى ثقلها السياسي والاقتصادي وسُمعتها الدولية، وقدرتها على تسخير ما تملكه من قوى ناعمة لتحقيق السلم العالمي، ما جعلها تتمتع بعلاقات دولية مميزة وحضور دولي فاعل عبر وجودها في مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم.
ليس بالأمر الغريب على دولة الإمارات وجود العديد من مكونات النجاح لمبادراتها الخيّرة، لأنها جزء ثابت من سياستها الخارجية ضمن مبادئ الخمسين، ما مكّنها من النجاح في الوساطة بين موسكو وكييف، خصوصًا في مقترحات تبادل أسرى الحرب والمساعدات الإنسانية وممرات أمن الغذاء العالمي.
وقد تزامنت التحركات الإماراتية في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا مع "اليوم الدولي للأخوة الإنسانية"، و"مهرجان الأخوة الإنسانية" في أبوظبي، والذي يبرز التأثير الإماراتي في قيم السلام وثقافة التسامح والتعايش، فيما تتواصل جهود الإمارات الإغاثية حول العالم، والتي وصلت إلى أكثر من 320 مليار درهم منذ تأسيس الاتحاد، آخرها توجيه رئيس دولة الإمارات ببدء عملية "الفارس الشهم-2" لدعم الشعبَين السوري والتركي لإغاثة المتضررين من الزلزال، الذي دمر مناطق بالبلدَين.
تستحق وساطة الإمارات تجاه روسيا وأوكرانيا الدعم الدولي، لأنها تصب في صالح السلام والاستقرار، والعالم يدرك جيدا المواقف الإماراتية الفاعلة، التي حاربت الإرهاب والتطرف، وأعطت الأمل للإنسانية خلال جائحة كوفيد-19، ما يُكسِبها مصداقية لقيادة أصعب الملفات تعقيدا، لأنها دولة بناء وسلام، وقائدة في تعزيز العلاقات الدولية من أجل التنمية والازدهار، وتقف على أرضية صُلبة من الفرص القوية لتحقيق النجاح في نقل رسالة السلام.