د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين !!
تجلى ذلك بوضوح في نكبة الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا فعلى طول الحدود الجغرافية في البلدان العربية كلما حلت كارثة طبيعية مخلفة وراءها القتلى والجرحى، كلما أسرع حكامها في بلسمة الجراح إلى ضرب الخيام ومدها ببعض المعدات؛ من لحافات وبطانيات ومواد غذائية، وفي أفضل الحالات يهب الأهالي؛ في عمليات إسعاف وإيواء وإشراك الطعام؛ بيد أن تركيا أردوغان ضربت مثلا نبيلا في إسعاف المنكوبين فيها ، فبدلا من إسكانهم في المخيمات وتحت لسعات البرد القارس، اهتدت إلى توزيعهم على الفنادق ودور الضيافة بمختلف المدن، وبميزانية ضخمة تقدر بالمليارات، فضلا عن تنافس أفراد الشعب التركي بكل فئاته لتقديم التبرعات بمختلف أشكالها بما فيها تخلي كل العاملين بتركيا عن أجرة يوم لفائدة منكوبي ضحايا الزلزال، وهي مفارقة بين حقوق الانسان وكرامته بين بلد وبلد آخر، تركيا دولة علمانية يشكل فيها الإسلام نسبة محترمة %97.08، وهي عضو دائم في حلف شمال الأطلسي NATO بينما سوريا تتقاسمها الأطماع التوسعية، وغدا فيها المواطن عملة غير قابلة للتداول في بورصة السياسة الدولية، لذا لاحظنا أن إمداد إغاثة المنكوبين فيها ضعيفة جدا وأحيانا بوسائل بدائية، تحت ذريعة “العقوبات الاقتصادية”، والتي في نظر “المنطق الغربي المنافق والازدواجي” لا تستثني الشعب، مهما حلت به من كوارث ..!!
مرّت 8 أيام على وقوع زلزال كهرمان مرعش الذي ضرب مناطق عدة في جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، وخلف عشرات آلاف القتلى والمصابين وخسائر مادية كبيرة، وما تزال أضراره تتكشف يوما بعد يوم.
ويحصي البلدان حتى اليوم حجم الخسائر التي خلّفها هذا الزلزال المدمر الذي بلغت شدته 7.7 درجات على مقياس ريختر، ووصفه خبراء بأنه أسوأ كارثة إنسانية تعيشها المنطقة خلال 100 عام.
ووقع الزلزال عند الساعة 4:17 من فجر الاثنين 6 فبراير/شباط الجاري، وخلال دقائق قليلة دمرت شوارع بكاملها، وبدلت ملامح مدن، وتغيرت جغرافية المكان، وكانت 180 ثانية فقط كفيلة بتخلخل طبقات الأرض.
وما هي إلا سويعات حتى تكشف الظلام وتكشف معه ما أحدثته الهزة من أضرار، وتسارع عداد القتلى، حيث بدأ بالمئات وما لبث أن قفز إلى الآلاف ومن ثم عشرات الآلاف، وما تزال إحصاءات الضحايا لم تقفل بعد.
الدمار الهائل الذي طال نحو 10 ولايات تركية امتد ذاتُه إلى الشمال السوري، وتزامن مع منخفض جوي قارس البرودة، ونقص شديد في معدات البحث والإنقاذ، وزاد من معاناة السوريين المكلومين بويلات الحرب المستمرة منذ أكثر من 12 عاما.
أجبر الزلزال مئات الآلاف من الأتراك على المبيت في العراء، وأصبحت الحكومة ومعها جيش من المتطوعين راعية لأبسط حاجياتهم من أكل وشرب ووسائل تدفئة. وفي سوريا، أعاد الزلزال إلى الأذهان مشاهد النزوح بعد تدمير حلب وإدلب، لكن هذه المرة ليس بالبراميل المتفجرة.
وتقاطرت على تركيا قوافل المساعدات وفرق الإنقاذ، ولهجت الألسن بالدعوات وبصلوات المتضامنين.
في حين كان الشمال السوري أقلّ حظا، وأقلّ استقبالا للدعم، وهذا باعتراف الأمم المتحدة التي قالت إن المجتمع الدولي "خذل" السوريين.
وبعد مرور أسبوع، لم تتوقف عمليات الإنقاذ بحثا عن ناجين تحت الأنقاض، رغم تراجع الآمال في العثور عليهم.
ويرى البعض أن تركيا والشمال السوري بحاجة لسنوات طويلة أو ربما عقود للتعافي من آثار الزلزال، إلا أن الرهان يبقى على قدرة البشر العجيبة على المضي قدما ونفض الغبار.
عبارة “الإنسانية” أصبحت في أيامنا؛ ومع اشتداد التوترات السياسية التي تعرفها كثير من الدول، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية؛ قنطرة لعبور الإمدادات الغذائية وإسعافات المصابين والأخذ بأيدي قوافل المشردين، إلا أنها تغلق في أوجه بشر؛ ينظر إليهم الغرب نظرة عدائية وكأنهم من طينة أخرى، ولا يمتون بصلة إلى البشر سوى في خلقتهم، وإلا فما حال طوابير المنكوبين والجرحى الفلسطينيين، وسيارات الإسعاف التي تغص بهم الشوارع تحت قصف الطائرات والمدرعات الإسرائيلية؟ ما ذنب الأطفال والنساء الثكالى والشيوخ، في سوريا وفلسطين وهم يواجهون الموت في كل لحظة ويموتون تحت أنظار العالم تارة بالاجتياحات والقصف وتارة بالزلازل كما حدث في سوريا ، دون أن يحرك العالم ساكنا ، ففي فجر يوم الأثنين ضرب زلزال مدمر تركيا بقوة 7.9 على مقياس "ريختر"، وشعرت به كلّ من لبنان والأردن وفلسطين والعراق وقبرص. ولكن شاء الله أن يكون النصيب الأكبر من الدمار الذي خلّفه هذا الزلزال من نصيب سوريا وتركيا، فأصبحت مدن الشمال السوريّ ومدن الجنوب التركيّ منكوبة، وباتت أكوام الركام هي الطاغية على المشهد في تلك المدن.
مئات الأبنية وآلاف المنازل أصبحت مهدّمة، وطُمر الناس تحت الركام والأنقاض.
استغاثت تركيا بحلفائها فهبّوا لنجدتها ونادت سوريا فهبّ العرب لمساعدتها،
فأُرسلت الطائرات المحمّلة بالمساعدات وفرق الإنقاذ لمساعدة الشعبين السوري والتركي.
ولكن بقيت منطقة تقع على الحدود التركية وتعتبر أرضاً سورية طيّ النسيان، هذه المنطقة التي بقيت لسنوات حديث العالم في أممه المتّحدة ومجلسه الذي يتغنّى بحقوق الإنسان، والتي كانت تتصدّر شاشات الأخبار في كلّ قنوات العالم، عندما كانت سوقاً مزدهراً لبازارات تلك الدول سياسياً، ولكنّها اليوم بعد أن ضربها الزلزال لم يعد أحد يجرؤ على ذكرها أو أن يعتبر نفسه مسؤولاً عنها أو أن تعتبرها الأمم المتحدة منطقة منكوبة ولها الحقّ في الحصول على المساعدات لإخراج الناس من تحت الأنقاض. انقضى اليوم الرابع على الزلزال ولم يحصل الشمال السوري الذي هو تحت سيطرة بعض الفصائل المعارِضة على أيّ مساعدة، ولم تفتح الحدود أمامه من كلا الجانبين: الدولة التركية والدولة السورية.
بل والمضحك المبكي أنّ بعض المعابر فُتحت من الطرف التركيّ لدخول الجثث من أبناء سوريا وليس معدّات تساعد فرق الإنقاذ في مهامهم.إلى الآن أكثر من عدة أيام مضت والناس عالقون تحت أطنان من الحجارة والحديد أطفال وشيوخ، نساء ورجال، ليس عندهم معدات ولا آليات لرفع تلك الأنقاض وإخراج الناس من تحتها.
في أوّل يوم كانت تُسمع أصوات العالقين وأنينهم، والآن اختفت تلك الأصوات.
أين المجتمع الدوليّ؟ وأين الدول التي تتغنّى بحقوق الأنسان؟
بعد هذه الساعات الطويلة التي قضاها الناس تحت الركام، وبعد أن أدار العالم ظهره لهم وتركهم لمصيرهم، كلنا أمل بأن يخرج باقي العالقين تحت الأنقاض،
لكن إن فقدنا الأمل وكلّت أيادينا من العمل لإخراجهم، سوف نتّجه أليكم ونقول لكم
فقدنا الأمل في إنقاذ البشرية. هل تستطيعون مساعدتنا لإنقاذ بعض القطط العالقة تحت هذا الركام؟ أم نتجه إلى جمعية حقوق الحيوان، لأنّ حقوقنا نحن أصبحت معدومة، واكتفينا بكوننا أرقاماً في سجلاتكم، مئات المتظاهرين، آلاف المعتقلين، ملايين اللاجئين، واليوم لا ندري كم صِفراً يحتمل عددنا على عواجل أخباركم كلّ صباح كضحايا زلزال مدمّر ضرب تركيا وسوريا!
د .علوي عمر بن فريد