د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
الحوار العربي مع ملالي إيران؛ إلى أين؟
بادئ ذي بدء، أود أن أذكِّر بأن الإنسان خليفة الله في الأرض، ويتعَّين عليه أن يتصف بصفات الله، ومنها العدل والوفاء بالعهد، وعندما لا يوفي الإنسان بالعهد عليه أن يدرك أنه ضل الطريق وألقى بنفسه في منحدر الهاوية، فما بالكم إذا صافح الإنسان الشيطان المستبد المتأسلم الذي يقتل شعبه، ويعيث في الأرض فساداً، ويتخذ من الخداع باسم الإسلام وسيلة لابتزاز شعبه والهيمنة على ثروات دول الجوار.، يقول الله تعالى في سورة البقرة – الآية 208 " يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَٰتِ الشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ".، لذلك لا ينبغي لنا أن نبرم إتفاقات مع أي عدو كان، بل يجب أن نتفانى في الوقوف بجانب الأحرار المناضلين الذين يبحثون عن حرية شعبهم وكافة حقوقه المشروعة ورفاهيته، ويؤمنون بالتعايش السلمي مع دول الجوار وبتأسيس إيران حرة ديمراطية وغير نووية لا تمثل تهديدا للآخرين، والوقوف إلى جانبهم هو أقصر الطرق لبلوغ الغايات؛ فإلى أين نحن سائرون في حوارنا مع ملالي إيران، إلى خيار نملكه ويصنع مصيراً ويُنهي أزمة ويحررنا من مخاوفنا المحيطة بنا أم في مسار نصنع من خلاله خلاصاً لنظام ولاية الفقيه.
جاء الاتفاق السعودي - الإيراني نتيجة للتغيرات الدولية التي شهدتها المنطقة الإقليمية بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، وهناك أمل في أن يكون لهذا الاتفاق تأثير إيجابي على التوافق على جملة من الملفات، من قبيل ملف الحرب اليمينة، والملف العراقي، والملف اللبناني، والملف السوري، وقد يمنح الاتفاق مع الرياض مجالات جديدة لطهران للالتفاف على العقوبات، ولا شك أنه ستكون هناك نتائج استراتيجية مهمة لعودة العلاقات الإيرانية السعودية ولا بد أن تصبح تحالفات كثيرة وعلاقات مختلفة عرضة للتغيير في المنطقة.
وهناك أمل في أن يسفر الاتفاق الإيراني – السعودي عن حل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، وتسهيل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وإجراء مصالحات إيرانية مع دول عربية أخرى، وكل ذلك مشروط بأن يصدق الكاذبون، وأفلح إن صدق.
ولا تعني عودة العلاقات السعودية - الإيرانية أن الخطر الإيراني قد زال تماما، فالعبرة الآن في الممارسة، وتتمنى دول الجوار أن ترى ممارسات فعلية تنم عن حسن النوايا الإيرانية، علما بأن الشك في وفاء نظام الملالي بالتزاماته لازال وسيبقى قائماً استناداً إلى أن سلوكية هذا النظام الفاشي يعشق انتهاك العهود.
ومن المؤكد أنه لن يتم حل جميع المشكلات العميقة القائمة بين البلدين بين ليلة وضحاها؛ إذ أن استعادة الثقة بين العرب وإيران لن تكون سهلة، وقد كان هناك تجارب سابقة في هذا السياق، وسيتردد صدى عواقب الاتفاق المفاجئ لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه نظراً لأن حيثياته مرتبطة بالكثير من الملفات في المنطقة وخارجها، والجدير بالذكر أن إيران والسعودية على طرفي نقيض في النزاعات الدامية في المنطقة.
ومن المتوقع أن يتم إبرام صفقة سعودية- حوثية لتكون أساساً لحوارٍ يمني- يمني وإلا ستكون هناك مشكلة داخل اليمن في ظل وجود مظالم لمختلف الأطراف الأخرى لم تتم معالجتها بعد، وستحدد المستجدات التي ستطرأ على الملف اليمني النتيجة الحقيقية لما توصل إليه الطرفين من اتفاقات.
وعلى صعيد آخر تنوي إيران الانضمام إلى جهود المصالحة بين سوريا وتركيا التي تدعم منذ فترة طويلة جماعات معارضة للرئيس السوري حافظ الأسد.
ترى السعودية أن الصين شريك مهم لديه استعداد أكبر للتعاون في المجالين العسكري والاقتصادي، ومن الممكن أن تكون الصين على استعداد لدعم مشروع نووي سعودي مدني قد يتطور لاحقا لأهداف عسكرية، باتت المملكة مقتنعة بأن الإدارة الأمريكية لن تهاجم إيران عسكرياً وتتجه إلى توقيع اتفاق معها على نحو يؤدي إلى تعزيز نفوذ إيران في المنطقة.
أدركت السعودية أنه لا جدوى من مسار العلاقة والتطبيع مع العدو الإسرائيلي المحدود الفائدة من منطلق أن الكيان الصهيوني يرفض تزويد الإدارة الأمريكية؛ السعودية بأسلحة حديثة تخل بالتوازن العسكري معه؛ وقد تخشى المملكة أن يقدم العدو الإسرائيلي على شن عدوان عسكري على إيران، وربما لديها مؤشرات على ذلك، وتسعى من خلال الاتفاق إلى النأي بنفسها وتحييد أي رد فعل إيراني تجاهها، في حال اندلاع مواجهة إيرانية-إسرائيلية مستقبلاً.
بما أن الاتفاق السعودي الإيراني ينطوي على مُصالحة تاريخية صفوية سُنية شكلية أكثر منها مُصالحة سياسية؛ فإن أمريكا وإسرائيل سوف يسعيان إلى تخريبه حتى لو اضطرا إلى شن عدوانٍ بسيط على إيران.
ويعد هذا الاتفاق شعلة اندلاع للمواجهة العسكرية الدولية في المنطقة بين معسكري الشرق والغرب، وهذا ما يجب أن نجنَّب المنطقة ويلاته، وترى إيران أن هذا الاتقاق سيكون عقبة كبيرة أمام وجود إسرائيل في المنطقة، بيد أن صحة هذا التصور مرهونة بنتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية.
د.سامي خاطر / أستاذ جامعي