د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

العرب والسياسة ..أين الخلل؟؟!!

لو تناقشت حول السياسة مع أي شخص عربي، مهما كانت ثقافته، ستجد أنه يملك الكثير مع المعلومات والتحليلات، وقد أجزم أننا أكثر شعوب العالم لديها ثقافة سياسية، فالشاب والشايب، الجامعي وطالب المدرسة، البائع والقبيلي  والمزارع   قبل الوزير، جميعهم مهتمون بالسياسة وأمورها ومتغيراتها ونتاج قراراتها .
يقول الصحافي والروائي البريطاني «جورج أورويل»: في عصرنا، لا يوجد شيء اسمه بعيداً عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على كلام جورج، إلا أن كلماته ما زالت تنطبق على أيامنا هذه، فكل القضايا والمشاكل التي تعاني منها شعوبنا العربية، أساسها مشاكل سياسية، وحلها سياسي قبل أن يكون اقتصادياً أو تربوياً أو أي قطاع آخر
ديمقراطي، شمولي، ديكتاتوري، نازي، فاشي، علماني، راديكالي، وغيرها الكثير من المصطلحات السياسية، جميعها ليست صناعة عربية، إنما نحن مستخدمون لهذه المسميات !!
المشكلة تكمن بأن شعوبنا العربية مثقفة بمتغيرات السياسة وأخبارها، وليس بكيفية العمل السياسي أو ممارسته ضمن نطاق معرفي يعود بالنفع على الأمة، فمفهوم العمل السياسي بالنسبة لنا، هو الوصول إلى السلطة أو معارضتها بقصد الوصول للمنصب، وليس تنافساً فكرياً بين مجموعات تقدم حلولاً ناجحة لإدارة الشعوب، ولهذا، نجد فشلاً ذريعاً في السياسات العربية ومناهجها وقوالبها، فإلى الآن، لم تتمكن بعض الأنظمة العربية من إيجاد قالب يتناسب مع طبيعة شعوبها وثقافته ومقدراته الوطنية وحالته المعيشية ، ما نحن بحاجة إليه في بعض دول وطننا العربي الآن، هو إيجاد نظام سياسي يتناسب مع طبيعة تلك الشعوب ومتغيرات منطقتنا، فإلى الآن نجد من هم ما زالوا متحزبين لأفكار الحزب الشيوعي، والحديث هنا لا ينطبق على الشعوب أنفسها، بقدر ما على الدول وأنظمتها، ما شكّل عقماً في التصالح مع فشل هذه الأنظمة سابقاً، ما صعب مهمة اتخاذ القرار بتبديلها وتغييرها لما هو أفضل ومناسب للشعوب .
يقول رئيس وزراء بريطانيا  السابق «ونستون تشرشل»: في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة
هذا ما على بعض السياسيين العرب أن يفهموه، ولكن بشكل مغاير قليلاً، فبدلاً من الفهم الخاطئ للمصلحة على أنها المصلحة الشخصية ومصلحة أحزابهم وجماعاتهم، عليهم تغييرها لتصبح مصلحة الشعب الذي يحكمونه .
لعبة السياسة والخوض في معاركها ومعتركاتها، ليس بالأمر السهل، بل هي من أعقد الأمور، والتي يطال تأثيرها شعوب بكاملها، ولذلك نتمنى أن تكون نشرة الأخبار القادمة في وطننا العربي، ما يثبت توجهات السياسيين بحفظ الأمن وضمان سلامة الشعوب من القتل والدمار، فشعوبنا تعبت من خذلان السياسيين، وحصدت أرواح بسبب تعنتهم ورفضهم التنازل عن سلطتهم !!
في كتابه الجميل "العرب والسياسة أين الخلل؟" يشير الدكتور محمد جابر الأنصاري لجملة من الأسباب التي جعلت الفشل السياسي عند العرب مرضا مزمنا لم يتم بعد –بحسبه- بحث أسبابه عميقة وجذوره الضاربة في عمق التاريخ بما يكفي من الوضوح والشفافية.
وكمقدمة لهذا البحث يتحدث الكاتب عن ظروف التاريخ والجغرافيا المسببة لهذه الظاهرة فتاريخيا عانى العرب من تسلط القوى الأجنبية الحاكمة عليهم -كالترك والفرس- لقرون طويلة، كما عانوا من انعدام استقرار الدولة بصفتها مدرسة السياسة لفترات طويلة، فكأن العرب اختاروا كلمة دولة للدلالة على كثرة التداول والتغير والتبدل بعكس المعنى الإنجليزي لكلمة "State" المشتقة من "Static" بمعنى الثبات والاستمرار.
ويستشهد على ذلك بكثرة تنقل عاصمة ومركز هذه الدولة كما لم يحدث لغيرها قط، فمن المدينة للكوفة لدمشق لبغداد لإسطنبول، وفي كل هذه الفترات كانت دويلات صغرى تقوم وتنهار في أمصار الدولة المختلفة جغرافيا وعلى عكس أمم كالهند والصين، عانت الأمة العربية من تقطيع الصحاري والجبال لأوصالها"
إن تقييم الفشل السياسي في العصر الحديث يُبرز الدور المدمر الذي مارسه معظم قادة الدول العربية بفترة ما بعد الاستقلال بوضوح لا لبس فيه، فعندما ننظر للمستوى القيادي في عدد من الدول العربية الهامة وكيف وصل بها الفساد والإجرام والفشل لحدود جنونية، أودت بأرواح الآلاف من أبناء الأمة وأبقت الملايين منهم يعانون الفقر والعجز والتخلف.
ومعظم الزعماء العرب الذين حكموا من دون ذكر أسماء فقد أصبح أغلبهم في ذمة الله وبين يدي الخالق سبحانه وتعالى ولا يملكون  حق الدفاع عن أنفسهم  يبرز بوضوح هائل كيف مارست تلك  الأنظمة شتى صنوف الفساد والإفساد بحق شعوبها، فقد حكمت بالحديد والنار حتى وصل الحال بالمواطن العربي بأن يكون وجوده في بلده يعني فقدان الكرامة والحرية والعيش الكريم، ولذا أضحت الهجرة للخارج هي الحلم الأكبر لنسبة كبيرة من الشبان العرب.
ولا يمكن إنكار أن أزمة السياسة عند العرب ليست مقتصرة على الأنظمة المستبدة بل تشمل النخبة السياسة بأكملها سواء تلك التي تحكم أو التي تعارض، كما تشمل الشعوب التي عادت بنفسها وساعدت على القضاء على التجارب الثورية.
وعلينا أن ندرك بأن ما هو أهم من إسقاط الأنظمة المستبدة أو إجبارها على إجراء بعض من شكليات وأدوات الديمقراطية (كالانتخابات وغيرها) هو إحداث تحول حقيقي نحو صناعة الدولة وتحقيق المواطنة بمفهومها الواسع والشامل بما تتضمنه من عدالة وشفافية، وسيادة قانون وبناء مؤسسات وعدالة اجتماعية وتداول سلطة واستقلال القضاء، ولتكن نقطة البداية هي نشر هذا الفكر في ثقافتنا السياسية التي تخشبت عند "وإن جلد ظهرك وأخذ مالك"
د . علوي عمر بن فريد