د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الحروب الأهلية في السودان - 1-2
اخترت في هذا المقال أن ألخص بحثا اشترك في كتابته خبراء عرب هم : ندى غانم وأحمد زكي وأحمد أبو بكر ومحمد الحسين يبدأ فيه الأساتذة المحترمون بالتأكيد على أن العالم العربي تظلله ثقافة جامعة في الدين واللغة وجينات التاريخ وعدم التفكك الجغرافي ويشيرون الى أهم عوامل التفرقة والشقوق التي يتسلل منها أعداء الأمة لبث الفوضى وزعزعة تلك الوحدة فيكتبون: « إلا أن العديد من بلدان العالم العربي لديها تعددية عرقية ودينية ومذهبية شكلت مبرراً للأنظمة الاستبدادية التي حكمت دولها بالقبضة الأمنية تحت حجة حماية الدولة من التفكك والانهيار».
وكذلك شكل ملف الأقليات مدخلا دائما للتدخلات الأجنبية والضغط السياسي (بدعوى حماية الأقليات والتي لم تشعر أنها أقليات إلا بعد أن نفخ الاستعمار فيها فوارق طبيعية تعايش أهلها مع الأغلبيات في أمن واحترام متبادل طيلة قرون)
شهد السودان حرباً أهلية ممتدة خلفت وراءها ما يقرب من المليونين قتيل وبلداً تمت تجزئته مؤخراً إلى دولتين تواجهان خطر الحرب الشاملة.
السبب الأول والأهم هو : أن السودان بلد متعدد الأعراق والأديان وبعد انتشار الإسلام في شماله أصبح منقسما عرقيا ودينيا وجغرافيا إلى شمال فيه عرب مسلمون وجنوب به أفارقة مسيحيون وخليط من ديانات أخرى وتميز هذا البلد بالتنوع العرقي حيث تكون من حوالي 19 جماعة عرقية مختلفة وحوالى 600 جماعة عرقية فرعية.
ورغم التعدد العرقي للجنوب إلا أنه توحد في مواجهة الشمال الذي يمثل الثقافة العربية الإسلامية حيث رأى الجنوبيون أنفسهم أفارقة بشرتهم سوداء تجمعهم المسيحية كوسيلة لمجابهة الإسلام «رغم عدم اعتناق كل الجنوبيين للمسيحية».
السبب الثاني :
اقتصادي فالسودان - حسب الدراسة - من أكثر الدول التي تعاني من غياب العدالة الاجتماعية في تقسيم الثروة فالجنوب يعانى من غياب الخدمات الأساسية والبنية التحتية مقارنة بالشمال الذى استحوذت حكوماته على الحكم وبالتالي على توزيع الثروات وكذلك فإن اكتشاف البترول في الجنوب فترة السبعينيات كان له أثر كبير على تأجج الصراع.
السبب الثالث :
هو الاستعمار ثم الاستقلال بدون توافق فقد عمل الاستعمار البريطاني على تسييس الخلافات الدينية والعرقية وفصل الشمال عن الجنوب وتم تشجيع نشر المسيحية ومنع أي مظاهر عربية أو إسلامية في الجنوب مع العلم أن الفصل (شبه العنصري والإثني) من قبل الاستعمار البريطاني قام بسبب رؤية الجنوب كجزء من المستعمرات الإفريقية بينما الشمال هو جزء من الشرق الأوسط العربي وأيضاً بغاية خلق حاجز بين الشمال والجنوب يعمل على منع الانتشار الإسلامي والخوف من قيام حركات شعبية مقاومة للاحتلال كالثورة المهدية. وتحقق الاستقلال عن بريطانيا في 1956 دون وجود ترتيبات مؤسسية كافية أو وجود توافق وطني بين الشمال والجنوب حول نظام الدولة حيث رأى الجنوبيون أن النظام الفيدرالي هو الحماية الوحيدة لهم من التبعية للشمال ورأى الشماليون أن الفيدرالية هي الخطوة الأولى نحو الانفصال وأن الحكم يجب أن يظل مركزيا.
تجدر الإشارة الى أن نظام الحكم في السودان لم يشهد استقراراً منذ الاستقلال وذلك لتعدد قيام الانقلابات العسكرية مع غياب الديموقراطية الأمر الذي أدى إلى تفاقم الصراعات مع الجنوب وغياب صيغة مقبولة للتشارك في الحكم وكانت الحرب الأهلية الأولى 1955- 1972 حين بدأت شرارة الحرب بين الشمال والجنوب قبيل تحقيق الاستقلال من بريطانيا وفى ظل الخوف من عدم الحصول على حكم ذاتي بيد أن البداية الحقيقية للحرب الأهلية كانت في 1964 بعد اتباع الفريق ابراهيم عبود أول رئيس للسودان برنامجاً لأسلمة وتعريب الجنوب طبقا لاعتقاده أن توحيد السودانيين تحت هوية واحدة هو السبيل لتعزيز وحدة السودان وخلق هوية وطنية.
د . علوي عمر بن فريد