د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
زيارة نجل شاه إيران؛ رضا بَهْلَوي لإسرائيل (1)
بعد فشله في خُطاه السياسية الأولى وافتضاح عنصريته على الملأ واقتراف أنصاره لجرائم ضد إيرانيين معارضين في أوروبا، وسعي أنصاره لفرض فكرهم وعنصريتهم ومنها عدم قبولهم بذكر إسم (جينا) أي جينا أميني وإصرارهم أن يناديها الآخرين كما تناديها عصابتهم بـ الإسم المفروض من الشاه الجد والشاه الإبن وشاه الأمل وهو (مهسا أميني) إذ أن الإسم الحقيقي لها وفق تراث قومها هو (جينا) وقد قامت الفرقة البهلوية بممارسة نهج الإكراه على المكونات العرقية حتى في أسمائها، وشاه الأمل ماضٍ على سيرة جده وأبيه ولم تؤثر فيه البيئة المدنية الحرة التي يعيش فيها.
بعد فشله في مساعيه السياسية الأولى لا يزال الملالي يدفعون به بمخططاتهم من أجل توفير الأسباب التي بحسب ظنهم الخاطئ ستساعد على إسقاط الثورة الوطنية الإيرانية مما يتيح لهم البقاء على عرش السلطة إمتداداً لـ رضا شاه وابنه مستخدمين الحفيد كدمية يلعبون ويناورن بها مغدقين عليها وعلى من يلتف حولها، ومن الأسباب زيارة رضا محمد رضا بهلوي لإسرائيل وهي زيارة لن يتوانى الملالي عن محاولة الإستفادة القصوى منها.
تمثل زيارة نجل شاه إيران المخلوع؛ رضا محمد رضا بَهْلَوي الذي يعيش في المنفى مُصراً بأنه شاه مؤخراً لإسرائيل فرصة أخيرة لنظام الملالي ليتنفس الصعداء قليلاً ويستجمع شتات قواته المنهارة تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية وتحركات وحدات المقاومة الإيرانية، وقد جاءت هذه الزيارة للمشاركة في مراسم إحياء ذكرى المحرقة النازية، وذكر الإعلام الإسرائيلي أن شاه الأمل قد صرح في إحدى تصريحاته قائلا أن النظام الإيراني هو السبب في المجازر والتوترات في المنطقة، كما صرّح نجل الشاه المخلوع بأن هذه الزيارة تأتي لإعادة العلاقات السلمية مع إسرائيل وجيران إيران العرب، وقال إن الملايين من أبناء إيران يتذكرون العيش إلى جانب أصدقائهم وجيرانهم اليهود الإيرانيين قبل أن تمزّق الثورة الإسلامية نسيج مجتمعنا، ولذلك يرفض الإيرانيون سياسات نظام الملالي المعادية لإسرائيل والسامية، ويتوقون شوقاً إلى استئناف التبادلات الثقافية والعلمية والاقتصادية مع إسرائيل.، وهنا يبدو جلياً إنضباط ابن الشاه المخلوع في الحدود المرسومة له في تصريحاته من خلال وسم ثورة فبراير 1979 التي أطاحت بطغيان أبيه بـ الثورة الإسلامية في حين أنها لم تكن ثورة إسلامية بل كانت ثورة وطنية جامعة ثم أسماها خلف أبيه بالثورة الإسلامية؛ ثم ذكره أن الإيرانيون يرفضون سياسات نظام الملالي المعادية لإسرائيل والسامية ولم يذكر بأنهم يرفضون النظام وسياساته؛ بالإضافة إلى لحن قوله مستجدياً الإسناد ليكون شاهنشاه المستقبل رغم سعيه الدائم إلى الطعن في ثورة فبراير 1979 وثورة 2022/ 2023 المنبثقة كإمتدادٍ لها.
ترمي زيارة نجل الشاه لإسرائيل حسبما قال قبل قيامه بهذه الزيارة إلى أيصال رسالة صداقة من الشعب الإيراني لإسرائيل، وإجراء حوار مع خبراء حول كيفية مواجهة أزمة موارد المياه الإيرانية الناجمة عن استغلال النظام الإيراني، وتخليداً لضحايا الهولوكوست، كما ذكر على حسابه على "أنستغرام": "أتمنى مستقبلاً تُجدِّد فيه إيران وإسرائيل علاقاتهما العريقة من أجل مزيداً من الأمن والازدهار لكلا البلدين".
واستغلالاً لزيارة نجل الشاه لإسرائيل بدأ النظام الإيراني فعلياً في اغتنام هذه الفرصة لقمع الاحتجاجات على مستوى البلاد ومحاولة تشويه سمعتها من خلال الترويج لأكاذيبه بأن دولاً أجنبية معادية من بينها إسرائيل تقف وراء المظاهرات الحالية المناهضة للحكومة، ويلجأ نظام الملالي إلى القمع الوحشي بغية ترويع المواطنين وتخويفهم من المشاركة في الاحتجاجات والمجازفة بحياتهم، من خلال التلميح إلى أن القوى الأجنبية تسعى إلى إعادة دكتاتورية الشاه الى إيران، وهنا يبدو إن إستنجاد الملالي بروح رضا شاه الجد بقولهم (رضا شاه طابت روحك) في شدتهم ومحنتهم أمام ثورة الشعب قد أتت بثمارها ودفعت بالحفيد إلى صنع الأسباب المطلوبة هنا وهناك.
وجدير بالذكر أن زيارة رضا بهلوي لإسرائيل قد مكّنت نظام الملالي مِن رفع الروح المعنوية لقواته القمعية المحبطة، من أمثال قوات حرس نظام الملالي، والبسيج، ووزارة المخابرات والعملاء الآخرين لتشجيعهم على ممارسة المزيد من القمع بحجة أن المتظاهرين ما هم إلا بيادق في أيدي القوى الأجنبية.
موقف وسائل إعلام نظام الملالي من الزيارة
انطلقت الماكينة الإعلامية للنظام الإيراني في نشر الأخبار المضللة، وأعادت نشر الأكذوبة القائلة بأن دولاً أجنبية بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة تقف وراء الانتفاضة، وادعت أن الشغل الشاغل لإسرائيل هو تأجيج التوترات داخل إيران.
وهكذا يتضح أن الملالي الحاكمين يسعون الى تأخير سقوطهم الحتمي من خلال التلاعب بورقة رضا بهلوي للإيحاء بأن الانتفاضة كانت تدور حول عودة نظام الشاه لإيران، وهو الأمر الذي رفضه الإيرانيين داخل وخارج إيران بترديدهم هتافات (لا للشاه ولا للملالي) و ( نعم للحرية والديمقراطية) و (الموت للظالم سواء كان الشاه أم الزعيم "خامنئي")
رعب النظام الإيراني من الانتفاضة الإيرانية
بالنظر إلى سجل كل من خميني وخامنئي الحافل بالعنف وعدم معرفة نظام الملالي إلا للقمع كأداة لمواجهة ما يجري، وعدم تراجع خامنئي وتقديمه لأي تنازلات طوال موجات الاحتجاجات السابقة، بل كان في بعض الأحيان يُضاعف من وسائل القمع كوسيلة وحيدة للحفاظ على سلطته؛ نجد أنه كلّما أفرط الملالي في قمع أبناء الشعب كلّما مضت الثورة في طريقها قدماً وباتت أكثر شراسة، وبناءاً على ذلك تنتاب النظام الإيراني حالة من الرعب والخوف وتضربه حالة من الفوضى في مواجهة الثورة الشعبية، وقد أكد علي خامنئي نفسه على أن الاحتجاجات لن تنتهي قريباً، لذا لجأت السلطات إلى استخدام العنف لقمع المتظاهرين ما أدى إلى مقتل العشرات خلال أيام في وقت تتسع فيه رقعة الاحتجاج التي تنضمّ إليها فئات جديدة من العمال والتجار يومياً، ومن بين ضحايا العنف والإبادة هذه الفترة طالبات المدارس.
ومما لا شك فيه أن النظام في إيران آيلا للسقوط، وأنه لن تجدي كل محاولاته هو وشركائه من تيار الإسترضاء الغربي نفعا في إبقائه وإطالة عمر وجوده لتنفيذ وتمرير سياساتهم بالمنطقة، والجدير بالذكر هنا أن الثورة الإيرانية الجارية ثورة ورائها قيادة داخلية وخارجية وورائها ثوار يؤاثرون الموت على الحياة يواصلون مسيرة النضال مع البديل الديمقراطي الأصيل الوحيد لنظام الملالي، وقد حانتت اللحظة المناسبة التي يتجرع فيها نظام الملالي الإرهابي عواقب أعماله الإرهابية وكشف النقاب عن أكاذيبه.
لقد بات النظام السياسي العالمي اليوم أمام امتحان لا مفر منه من حيث إن القيم السياسية التي قام عليها قيم السلام والحرية والعدالة التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية بحاجة إلى إثبات شرعية ووجود، وليس أمامهم الآن سوى أن يُقدِّم نظام الملالي الإيراني بمن فيهم الولي الفقيه لمحكمة الجنايات الدولية وإلا سيتحول العالم بعد سنوات إلى ساحة للصراعات والحروب، كما يجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يفيا بدورهما.
رعب فلول النظام الشاهنشاهي من الانتفاضة الإيرانية
مارس النظام الشاهنشاهي ستى أشكال القمع والتعذيب على أبناء الشعب الإيراني الأحرار، وعندما وصل الدكتور محمد مصدق إلى رئاسة الوزارة في إيران بعد انتخابات برلمانيَّة حُرة، وقاد ثورة حقيقيَّة ضد نظام شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي هرب إلى العراق ومنها لإيطاليا بعد أن طردته الثورة المدنية التي قادها مصدق، وشرع مصدق في تحرير بلاده من القبضة والهيمنة البريطانية والأمريكية وخاصة شركات البترول التي كانت تتحكم في موارد إيران البترولية وثرواتها، وقام بتأميم النفط الإيراني، وبإجراء تغييرات في بنية وهيكل الدولة وإعادة إيران إلى تاريخها وهُويتها والاستفادة من مواردها وقدراتها الاقتصادية، رافضاً التبعية وصلف القوى الاستعمارية والإمبريالية، وبعد تلك القوى بالتآمر من خلال إنشاء تحالف بين فلول نظام الشاه وطبقة رجال المال والأعمال وقيادة الجيش الإيراني وأُحكام الخناق على حكومة الدكتور مصدق وتحريك بقايا نظام الشاه وقطعان الإنتهازية مع الجيش وعصابات الإجرام التي تولت تصفية القيادات الشعبية والمدنية لحكومة مصدق حتى استطاع جنرالات الجيش بقيادة الجنزال فضل الله زاهدي من محاصرة مقر مصدق وقصفه وإسقاط سلطته في الـ 9 من أغسطس عام 1953، وإعادة الشاه الهارب إلى الحكم مرة أخرى.. وطُويت صفحة مضيئة من تاريخ إيران مرَّت بسرعة البرق ولو بقي مصدق في الحكم لتغيَّر مجرى التاريخ، لذا ظلت إيران حبيسة في مجاهل الحكم الشاهنشاهي حتى ثار الشعب عام 1979 وأسقط دكتاتورية الشاه، ولكن مع الأسف تمكن الغرب من أسر إيران من جديد من خلال خميني وقطعانه وبعضاً من فلول الشاهنشاهية الفاشيين الذين تمكنوا من سرقة ثورة فبراير 1979.
وجاء اندلاع الانتفاضة الوطنية الإيرانية الحالية لتسدل الستار على الدكتاتورية الشاهنشاهية ودكتاتورية الملالي خليفتها، وتؤكد خيبة أملها في العودة إلى حكم إيران ليضطر نجل الشاه رضا بهلوي إلى استجداء الدول الغربية في التواطؤ معه للعودة إلى الحكم ساعيا إلى استجداء مواقف القاصي والداني للوقوف جانبه ممنياً أياهم بنهب ثروات إيران كما فعل والده المخلوع، ولكن هيهات أن يتحقق أمله الشيطاني في انتهاك حقوق أبناء الشعب مرة أخرى.
إن ثورة تقودها المرأة المتحررة من الخوف والنافذ صبرها لتسقط الستار الذي يتخفى وراءه نظام الملالي متشدقاً بالشعارات الدينية والمذهبية مدعيا بنصرة المستضعفين في الأرض، وتكشف النقاب عن مدى كونه نظاماً دكتاتورياً استبدادياً لا يكتفي بقمع شعبه بل يسعى إلى قمع كل شعوب الأرض من أجل أوهامه، وسيرحل خامنئي ونظامه، وستقوم في إيران جمهورية ديمقراطية حقيقية على برنامج المواد العشر، يقودها الشعب وتعيش في سلام مع كل دول العالم، خاصة مع جاراتها من الدول العربية والإسلامية.
د.سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي