د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

نظام ولاية الفقيه.. إنهيارٌ داخل النظام وصراع من أجل البقاء وتصاعدٌ للغضب الشعبي

يعيش نظام الملالي الحاكم في إيران في الأشهر الأخيرة واحدة من أكثر مراحله هشاشة منذ تأسيسه عام 1979، وتُظهر المؤشرات تصاعد الصراعات الداخلية الحادة بين الأجنحة الحاكمة خاصة بين معسكر المرشد الأعلى علي خامنئي وتيار "جبهة الصمود" من جهة، وبقايا التيارات المرتبطة بالحرس الثوري وبعض الشخصيات السابقة في النظام من جهة أخرى؛ هذا الصراع الذي ظل لسنوات خفياً خلف كواليس السلطة أصبح الآن علنياً في الصحف الرسمية والبرلمان ووسائل الإعلام المقربة من النظام مما يكشف عمق أزمة الشرعية التي يعاني منها.. وفي هذا السياق تتزايد الاحتجاجات من مختلف فئات المجتمع؛ من العمال والطلاب إلى النساء والأقليات مصحوبة بأنشطة "النوى المتمردة" التي تنظم المظاهرات وأعمال المقاومة الأمر الذي يزيد الضغط على هيكلية السلطة ويُضعف قدرتها على احتواء التناقضات الداخلية.

انفجار التناقضات بين مراكز القوى

 تكشف تقارير الصحف الرسمية الإيرانية أن الخلافات بين المؤسسات العليا تحولت إلى صراع وجودي بين شبكات المصالح في الحرس الثوري ومكتب المرشد الأعلى والقضاء والبرلمان والحكومة.. المواجهات العلنية بين محمد باقر قاليباف وغلام حسين محسني إجئي ووزراء حكومة بزشكيان هدمت التماسك الظاهري للنظام حيث يتبادل المسؤولون الاتهامات بالفساد وسوء الإدارة.. وتعكس هذه التناقضات أزمة عميقة في إدارة الحكم حيث تحول النظام إلى شبكة من المصالح العسكرية - الاقتصادية التي تتنافس على الموارد في ظل العقوبات، وفي هذا السياق تُسهم أنشطة "النوى المتمردة" من خلال تنظيم الاحتجاجات المحلية في تصعيد هذه التوترات مما يعكس السخط الواسع بين مختلف فئات المجتمع.

البرلمان.. مسرح تصفية الحسابات 

تحول البرلمان الإيراني إلى منصة لتصفية الحسابات السياسية حيث يتبادل النواب والمسؤولون التنفيذيون الاتهامات.. يعكس تصاعد هذه التوترات محاولة كل جناح إلقاء اللوم على الآخر بشأن الأزمات الاقتصادية مثل التضخم غير المسبوق، وانهيار قيمة العملة، وارتفاع البطالة لسنوات، وقد نجح النظام في إخفاء هذه الصراعات بشعارات الوحدة الثورية والتركيز على العدو الخارجي؛ لكن بعد احتجاجات 2022 وتراجع الثقة الشعبية أصبح التستر مستحيلاً.. الاحتجاجات المتزايدة من مختلف الفئات بما في ذلك إضرابات العمال ومظاهرات الطلاب إلى جانب أنشطة "النوى المتمردة" التي تكشف الفساد أجبرت وسائل الإعلام الرسمية على نشر الانتقادات مما كسر هيبة السلطة المركزية.

اقتصاد منهار وتصاعد الصراعات 

أدت الأزمة الاقتصادية المدمرة مع العقوبات وسوء الإدارة والفساد إلى شبه شلل اقتصادي في إيران حيث تجاوز التضخم 50% وانخفضت القوة الشرائية إلى النصف خلال عامين.. ويتنافس الحرس الثوري ومؤسساته الاقتصادية مع الحكومة على الموارد بينما تراجعت إيرادات النفط.

 شعار "الاقتصاد المقاوم" الذي روّج له خامنئي لم يعد يجد صدى حتى بين الموالين؛ بل تحول إلى غطاء لنهب الثروات.. هذا الوضع عمّق الفجوة بين النظام والمجتمع، وأثار احتجاجات متزايدة من فئات مثل الفلاحين والمتقاعدين.. كما أن أنشطة "النوى المتمردة" في تنظيم الإضرابات الاقتصادية دفعت هذه الصراعات إلى نقطة حرجة مما يجعل أي مواجهة مستقبلية أكثر خطورة.

المعارضة الإيرانية وتغيير ميزان القوى 

في مواجهة الانهيار الداخلي تظل المعارضة الإيرانية متمثلة في المجلس الوطني للمقاومة ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية؛ الطرف الأكثر استقراراً.. وقد كشفت عن تفاصيل صراعات النظام، وحظيت تقاريرها باهتمام دولي، واستمرار أنشطة " وحدات المقاومة وتنظيم الاحتجاجات الطلابية والعمالية رغم القمع يكشف هشاشة النظام، ويرى الشعب الإيراني بعد انتفاضتي 2018 و2022 أن التغيير الجذري بات قريباً؛ ففي الخارج تُعد أنشطة المقاومة الإيرانية لافتة بنفس القدر.. فمظاهرات عشرات الآلاف في بروكسل وتجمعات الآلاف في نيويورك أمثلة بارزة على الأنشطة المنظمة للمقاومة على الساحة الدولية؛ هذه الفعاليات لا تعبر فقط عن غضب الشعب الإيراني وإرادته للتغيير بل تُظهر التنسيق والتنظيم القوي للمقاومة داخل إيران وخارجها، وهذه الجهود بدعم عالمي عززت مكانة المعارضة أمام النظام وزادت الضغط الدولي على نظام ولاية الفقيه.. ومع اتساع الفجوات داخل النظام تتزايد فرص المعارضة لكسب الدعم خاصة مع الاحتجاجات المتزايدة من مختلف الفئات وأنشطة "وحدات المقاومة" التي تحافظ على الغضب الشعبي.

خلاصة القول.. نظامٌ في أزمة ومستقبل غامض حيث يعيش النظام الإيراني مرحلة "صراع من أجل البقاء"، وتُظهر صراعات الأجنحة حجم الانهيار الاقتصادي، وتآكل الشرعية، وتراجع قدرة القمع، وكلها دلالات على تراجع تاريخي، أما جهود خامنئي لإظهار التماسك فباتت بلا جدوى، ونظام "ولاية الفقيه" يواجه أزمة وجودية غير مسبوقة؛ في المقابل تتمتع المعارضة الإيرانية بحضور أقوى وتستفيد من ضعف النظام.

 إن الساحة الإيرانية تقف عند نقطة تحول.. إما استمرار النظام المأزوم أو الانفتاح على مرحلة جديدة من النضال من أجل الحرية والسيادة الوطنية بقيادة المقاومة الإيرانية تحت قيادة السيدة مريم رجوي وبرنامجها المكون من 10 نقاط والذي يعبر عن حكومة انتقالية مستقبلية تهدف إلى إرساء الديمقراطية، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وفصل الدين عن السلطة، واحترام حقوق الإنسان.

د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي