د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

جريمة موثقة بالأمم المتحدة.. وجواب يعلنه العالم في بروكسل

عندما تتوقف أعلى هيئة حقوقية في العالم عن استخدام اللغة الدبلوماسية وتصف أفعال دولة ما بأنها "نمط منهجي لاستخدام عقوبة الإعدام كوسيلة ترهيب"، فإننا نكون قد تجاوزنا مرحلة الإدانة السياسية ودخلنا مرحلة التوثيق الرسمي لجريمة ضد الإنسانية. إن التقرير الذي أصدرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ليس مجرد مجموعة من الأرقام المروعة، بل هو شهادة تاريخية، لائحة اتهام رسمية موجهة ضد نظام الملالي، وإعلان بأن ما يجري في إيران ليس مجرد قمع، بل هو حرب معلنة تشنها الدولة ضد شعبها. هذا الإعلان الصادر من جنيف، ببرودته القانونية وقوته الأخلاقية، يفرض على ضمير العالم سؤالاً ملحاً: وماذا بعد؟ إن الجواب على هذه الجريمة الموثقة لن يأتِي من بيانات التنديد التي أثبتت عقمها، بل سيأتي من الحشود الحية التي ستجتمع في قلب أوروبا. إن مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل هي الرد العملي، الشعبي، والإنساني على هذه الوحشية الممنهجة.

تفكيك استراتيجية الإرهاب: ما وراء آلة القتل
لفهم عمق الأزمة، يجب أن نتجاوز الرقم الصادم — 841 إعداماً في ثمانية أشهر — ونحلل الاستراتيجية التي تكمن وراءه. فكما أشارت المتحدثة باسم المفوضية، رافينا شامداساني، فإن هذه ليست مجرد عقوبات، بل هي "أداة ترهيب" تستخدمها الدولة. أولاً، يستهدف النظام بشكل غير متناسب الأقليات الإثنية من الأكراد والعرب والبلوش، والمهاجرين الأفغان. هذا ليس صدفة، بل هو جزء من سياسة "فرّق تسد" الخبيثة التي تهدف إلى تمزيق الوحدة الوطنية ومنع تشكل جبهة معارضة عابرة للقوميات. ثانياً، يلجأ النظام إلى ممارسة الإعدامات العلنية، وهي طقوس وحشية من العصور المظلمة تهدف إلى تحطيم الروح المعنوية للمجتمع، وخصوصاً الأطفال، وتطبيع مشهد الموت. إنها محاولة لقتل الكرامة الإنسانية في الفضاء العام.

ثالثاً، وهو الأخطر، أن هذه الإعدامات تستهدف بشكل مباشر رموز المقاومة والتغيير. إن وجود ستة متهمين بالانتماء لمنظمة مجاهدي خلق وخمسة من نشطاء انتفاضة 2022، مثل العاملة الشجاعة شريفة محمدي، على قائمة الإعدام الوشيك، يكشف عن الرعب الحقيقي الذي يعيشه النظام. إنه لا يخشى الجريمة العادية، بل يخشى الفكر المنظم، والشجاعة السياسية، وإرادة التغيير. كل حكم إعدام ضد ناشط سياسي هو محاولة يائسة لقتل فكرة، ولكن التاريخ أثبت أن الأفكار لا تموت بالإعدام.

عندما تفشل الكلمات: ضرورة التحرك
لقد دعا المفوض السامي فولكر تورك، والمفوضية بأكملها، طهران إلى وقف الإعدامات. هذه الدعوات ضرورية ومهمة، لكنها للأسف غير كافية. لقد أثبت نظام الملالي على مدى أربعة عقود أنه لا يفهم لغة القانون الدولي ولا يحترم دعوات الهيئات الأممية. إن لغته الوحيدة هي لغة القوة والعنف. وكما أشارت المتحدثة الأممية، فإن الحكومات التي تواجه مقاومة لسياساتها "تُصبح أكثر قمعاً". هذا يعني أن النظام لن يتوقف من تلقاء نفسه، بل يجب إيقافه. وهنا يأتي دور القوة الشعبية المنظمة كعامل حاسم في تغيير المعادلة.

بروكسل: حيث تتحدى ثقافة الحياة ثقافة الموت
في هذا السياق المأساوي، تكتسب مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل بعدها الإنساني والتاريخي. إنها ليست مجرد مسيرة سياسية، بل هي فعل مقاومة ضد ثقافة الموت التي يروج لها النظام. إنها الرد المباشر على كل حبل مشنقة يُنصب في إيران.
ففي مقابل كل إعدام، سيقف آلاف الأشخاص في بروكسل ليعلنوا تمسكهم بالحياة. وفي مقابل استهداف الأقليات، ستعرض المظاهرة نموذجاً للوحدة الوطنية الإيرانية بكل مكوناتها. وفي مقابل المحاكمات الجائرة التي تستند إلى "قوانين غامضة"، سيقدم المشاركون رؤية واضحة لدولة تقوم على سيادة القانون.
هذه الرؤية تتجسد في خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط. إن أقوى رد على تقرير الأمم المتحدة المروع يكمن في البند الأول من هذه الخطة: "إلغاء عقوبة الإعدام". إن هذا البند وحده يمثل النقيض المطلق لكل ما يمثله نظام الملالي. إنه التزام ببناء مجتمع يحترم أقدس الحقوق، الحق في الحياة. إن مظاهرة بروكسل هي المكان الذي سيُعلن فيه أن الشعب الإيراني لا يرفض فقط هذا النظام الدموي، بل يملك بديلاً ديمقراطياً وإنسانياً جاهزاً. الرسالة التي ستنطلق من بروكسل ستكون موجهة إلى العالم أجمع: لقد قدمت الأمم المتحدة شهادتها، والآن حان دور الشعوب الحرة لتقدم دعمها. حان الوقت للوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة لوضع حد لهذه الجريمة المستمرة وبناء مستقبل مشرق لإيران.