د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
مشروع المقاومة الإيرانية بديلا وخلاصاً للشعب الإيراني وشعوب المنطقة
المقاومة الوطنية الإيرانية .. مقاومة فوق الصغائر والشبهات، ورؤية حقيقية وواقعية قابلة للوجود والتطبيق ملبية لطموح الجميع
عندما تكون مدرسة المقاومة الإيرانية وطنية لا تعرف عربياً ولا فارسياً ولا كردياً ولا آذرياً ولا بلوشياً ولا لرياً ولا غير ذلك من مكونات الشعب الإيراني وتترفع عن كل صغائر الفكر والنهج والممارسة، وترفض إلا أن تكون خيمة وطنية إيرانية يستظل بظلها الجميع؛ هنا تكون فعلاً البديل الحقيقي والشرعي بلا منازع.
يضم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كافة المكونات القومية والمذهبية في إيران بدءاً من الكرد والبلوش والعرب وصولاً إلى الأتراك (الآذريين) والفرس والتركمان والمسلمين وغير المسلمين، وممثلاً لشرائح واسعة من الشعب الإيراني بإنتماءات وأفكار مختلفة، ويشمل أعضاؤه فئات ومكونات مختلفة من بينهم فنانين وكتاب وأطباء وتجار وأساتذة جامعات وعسكريون ورياضيون وسياسيون وخبراء وأصحاب صناعات وغيرهم، والشغل الشاغل للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو إسقاط نظام الملالي الإرهابي الحاكم في إيران بإسم الدين، وإقرار الديمقراطية التعددية في إيران، وإحلال السيادة الوطنية والشعبية محل السلطة الدكتاتورية سلطة "ولاية الفقيه".
كما تُعتبر وحدة قوى المعارضة التي تسعى إلى الإطاحة بالنظام الإيراني وتشكيل بديل حقيقي، هي إحدى الركائز الأساسية للمقاومة ضد الدكتاتورية الفاشية للملالي الحاكمة في إيران، والحقيقة هي أنه لابد من وجود بديل لهذا النظام الفاشي للمضي قدماً في النضال وضمان تحقيق النصر، ولولا وجود المقاومة كبديل مقتدر ومنظم لكان من الممكن أن تفشل الثورة أو تنحرف عن مسارها وتذهب تضحيات الشعب أدراج الرياح إلى حيث يتمنى أعداء الشعب الإيراني في الداخل والخارج، والجدير بالذكر أننا العالم أجمع يرى مدى تأثير المقاومة الإيرانية ووحدات المقاومة في يوميات وأدبيات الثورة على أرضية الشارع الإيراني الثاني وعلى نحو منتظم ومستمر، ويتسم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كبديل ديمقراطي لنظام الملالي الدكتاتوري الحاكم بالتنظيم والتعددية ويحظى بالدعم على المستويين المحلي والدولي، ويمتلك قدرات بشرية وسياسية وتنظيمية لا نظير لها، كما لديه خطة عمل ورؤية واضحة وشفافة للمستقبل ويرفض أي شكل من أشكال الدكتاتورية، وترتبط هذه السمات بالواقع التاريخي والسياسي والاجتماعي للدولة الإيرانية وهو ما يمكنه من تشكيل تحالف من الحركات والقوى الوطنية الراغبة في الإطاحة بالنظام الحاكم.
يؤمن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بالتنوع داخل المجتمع الإيراني لذا فإن المبدأ الأساسي له هو التعددية والعدل والمساواة ووجوب تمثيل مختلف الأفكار والجماعات السياسية عبر الطيف السياسي الوطني العام، وتلبية حقوق كافة الأقلّيات العرقية والعقائدية في إيران على حد سواء، وقد حددّ المجلس خططاً لضمان حقوقهم وصادق عليها، ويتعارض هذا النهج مع النهج المتبع خلال فترة حكم الشاهنشاهية البهلوية التي استمرّت لمدّة 57 عاماً حقبتي (رضا شاه بهلوي وابنه محمد رضا بهلوي ) كما يتعارض مع سنوات حكم الملالي الذي خلفوا الشاهنشاهية على سدة الطغيان في البلاد حيث ساد النهج الظلامي وسادت الممارسات السياسية الدكتاتورية في البلاد، بينما تمت إبادة وجهات النظر السياسية الأخرى، وقُمِعت الأقليات العرقية والدينية وحُرِمت من حقها في تقرير مصيرها، وأُزِيلت في كثيرٍ من الأحيان من مشهد الأحداث تماماً.
واليوم وفي ظل التقدم التكنولوجي الكبير نجد أن الوتيرة السريعة والترابط بين التطورات التاريخية والسياسية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم أمراً يجعل من مطالب العودة بالتاريخ إلى الوراء إلى الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية السابقة كأداة حكم قد بات من المستحيلات وفي نفس الوقت معبراً عن متناقضات وعدم شفافية الداعين إلى ذلك والداعمين له إذ لا يمكن العودة بعودة التاريخ إلى الوراء خاصة بعد التضحيات الجسام للشعب الإيراني ومقاومته.
إن الركيزة الأساسية الدالة على شرعية أي حركة أو جماعة في أزمنة القمع هي الثمن الذي تدفعه مقابل الحرية والإنعتاق من الطغيان والإستبداد، وكذلك فكر ونهج وقيم وأدبيات المقاومة المستبسلة في وجه الدكتاتورية، كما أن أحد أفضل الوسائل للتعرف على شعبية الحركة السياسية وقبولها في المجتمع هو الوقوف على إحصاءات الشهداء والسجناء السياسيين العائدين لها.
تؤمن المقاومة الإيرانية بأن الشعب الإيراني هو الشرعية والمُحرّك الرئيسي للتغيير ولا شرعية ولا أساس لوجود أي منظمة أو حركة أو تيار سياسي وإجتماعي بدونه، ولابد أن يكون البديل الديمقراطي الوطني للأنظمة الإستبدادية أصيلا عميق الجذور والترابط مع الشعب متعايشاً مع آلامه مؤمنا بكرامته وتاريخه وتراثه وكافة حقوقه المشروعة؛ وما يميز المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمته المحورية هنا هو أن الرباط الوثيق بينه وبين الشعب هو رباطٌ تاريخي عميق الجذور صنعته القيم والآلام ودماء الشهداء التي روت الأرض وأنين السجناء والأرواح التي أُزهِقت باطلاً على المشانق وفي ساحات الإعدامات؛ إنها مسيرة طويلة من النضال والتضحية لأجل الشعب والقيم سارا الشعب والمقاومة فيها معاً ككيانٍ واحدٍ شامخ لا يتجزأ ويعلو ولا يتدنى ماضين نحو الأمل المنشود أمل الخلاص من أعداء الشعب.
وعلى الجانب الآخر كانت منظومة الطغيان والإستبداد والجريمة والسلب والنهب والعجرفة والخداع (منظومتي الشاه والملالي) مصرة على البقاء وكل شيءٍ مُباحٍ لديها من أجل السلطة حتى أخر قطرة دم بريئة من دماء الشعب، وكل الوسائل مُبررة وكل الفتاوى والتشريعات الباطلة تساير وتواكب النهج والممارسات، ورغم جبروتهم وطغيانهم وإسناد قوى المهادنة والإسترضاء العالمية لهم إلا أن الخوف يفتك بهم وينخر بأوصالهم من لحظة المواجهة الأخيرة مع الشعب وهي لا محالة قادمة في الأفق القريب شاء من شاء وأبى من أبى.
لقد أظهرت التجربة المُستمدّة من التاريخ الحديث في الجوار الإقليمي لإيران أن البدائل المستوردة التي تفتقر إلى الدعم الشعبي والشرعية الاجتماعية، والتي تندفع مرة أخرى للمطالبة بسلطةٍ لا حق لها فيها ولا شرعية لديها للمطالبة بها، كما لا يمكن أن تكون بدائل حقيقية قابلة للتطبيق خاصة عندما تطعن تلك البدائل في شرعية الثورة وتؤكد على شرعية حقب الطغيان والدكتاتورية والإستبداد ومتواصلة مع ثقافة القمع والعنصرية من منبتها إلى منفاها إلى مستقبلها الذي تأمله وكأن الشعب والأرض ضيعة لها في زمن عبودية مطلقة، وتعلم تلك البدائل التي قامت ولا زالت تستمد وجودها وآمالها من خلال ولاءاتها المختلفة للقوى الإستعمارية مضحية بالشعب وبوطن لا تنتمي إليه بل إلى منافعه وثرواته شأنها شأن القوى الإستعمارية بنسختيها الكلاسيكسية والمعاصرة.
مكانة المرأة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
يؤمن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إيماناً راسخاً بأن المرأة هي القوة الدافعة نحو التغيير، وعليه فإن تبنيه مشروع النهوض بالمرأة الإيرانية لا يعد مجرد أدبيات سياسية بل إنما هو مشروع فعلي وقائمٌ على أرض الواقع من أجل تحرير وبناء المجتمع الإيراني، ويعترف المجلس بحق المرأة في كونها قائدة ومناضلة وناخبة ومُنتخبة ومُرشحة في جميع الانتخابات، وبحقها في التصويت بجميع الاستفتاءات، وحقها في العمل وحرية اختيارها لهلعمل، وحقها في تولي أي مقام و منصب وعمل عام وحكومي بما فيه رئاسة الجمهمورية والقضاء في جميع الهيئات القضائية، وحقها في حرية إختيار الملابس والرداء، وحقها في الإستفادة دون تمييز من جميع إمكانات التعليم والدراسة والرياضة والفنون؛ وبالإضافة إلى الحجم الملفت للإنتباه في قيادة المرأة للمقاومة الإيرانية ومنظمتها المحورية منظمة مجاهدي خلق؛ تلعب لجنة المرأة في المجلس دوراً هاماً وبارزاً من أجل حقوق الشعب الإيراني وقضايا المرأة في إيران والعالم، وتقوم بدور القيادة مؤمنة بشعار ”القدرة والوجوبية" نا هضة منتفضة من أجل قضية الحرية والمساواة، ولما لا يولي المجلس إهتماماً كبيراً بدور المرأة وسجل المرأة الإيرانية المناضلة حافلٌ بالتضحيات والإيثار والعزة تضمن أيقونات نضالية خالدة على هذا الطريق ومنهن الشهيدة أشرف رجوي المناضلة البارزة في صفوف منظمة "مجاهدي خلق" في عهد الشاه، وآخر سجينة سياسية خرجت من سجونه عقب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، واستُشهِدت على يد قوات حرس نظام الملالي ظلماً وعدواناً؛ وقد كانت قدوة يحتذى بها في النضال الوطني، واستمر دور المرأة الإيرانية بالتألق في مسيرة النضال ضد الملالي أعداء المرأة والإنسانية متجلياً في نهج السيدة المناضلة مريم رجوي التي لا تزال صامدة تدافع عن حقوق شعبها مؤآثرة مضحيةً من أجل أبناء الوطن، وضمن هذه المسيرة شهيداتٌ مناضلات خالدات في كلا الحقبتين حقبة الشاه المخلوع وحقبة الملالي الآيلة للسقوط والزوال ومنهن شهيدات المقاومة، ونساء مخيم أشرف الرائدات اللواتي اُستُشهِدن في ملحمة الأول من سبتمبر 2013 أمثال زهره قائمي، وغيتي غيوه تشينيان، وميترا باقرزاده، وجيلا طلوع، وفاطمة كامياب، ومريم حسيني وغيرهن، إضافة إلى المفقودات والمفقودين الذين خطفتهم العصابات الموالية لنظام الملالي.
والحقيقة المؤكدة هي أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ليس بديلا وطنياً ديمقراطيا فحسب بل ومظلة وطنيةً جامعةً، وأقل ما يمكن أن يُقال عنه هو أنه مظلة ولاة أمر وطنية جامعة ومسؤولة وأكبر من حجم الوطن؛ نظراً لأنه يدافع عن كل الإيرانيين تحت مظلته الوطنية المعارضة، وقد دافع ويدافع عن قضايا الأقليات قضايا الأكراد والعرب والبلوش ومعاناتهم القاسية وما وقع ويقع عليهم من ظلم، ولقد نادى المجلس بالدفاع عن قضايا المحكوم عليهم بالإعدام وكانت آخر قضية سياسية هي قضية المناضل السياسي الشهيد حبيب إسيود الكعبي الذي تزامن إعدامه مع عملية التطبيع العربي مع الملالي الذين لم يقيموا وزناً للعرب بإعدامهم إياه تزامنا مع تطبيعهم معه، وكذلك دفاعه عن المحكومين بالإعدام والشهداء البلوش والأكراد وغيرهم، ويثير الإعلام من أجلهم، وفي نضالها لا تؤمن المقاومة الإيرانية بالمهادنة ولا تنطلي عليها أساليب الملالي الإحتيالية التي جربها القاصي والداني وحذرت منها منذ البدايات ولا زالت، وأن دعوات الإصلاح الداخلية ما هي خداعٌ تاريخي من قبل الملالي وبات مرفوضاً من قبل الشعب، ولا تؤمن المقاومة الإيرانية منذ البدايات إلا بإسقاط نظام ولاية الفقيه برمته وتغييره ومحو آثاره ولا مهادنة ولا تراجع على هذا الطريق.
وهنا على العرب والعالم أن يدركوا بأن نظام الملالي قد دخل أقسى مراحل الخريف وأنه زائلٌ لا محاله؛ كما عليهم أن يدركوا بأن بقاء هذا النظام الفاشي الذي يسعى إلى نشر الفتن والقتل والخراب والتطاول على سيادة الدول والشعوب ويسعى إلى إقامة إمبراطورية وفق نهجه ويخضع فيها الجميع لإرادته، ومن هذا المنطلق فإن مسعى المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية من أجل إسقاط الملالي وإقامة إيران ديمقراطية حرة مسالمة وغير نووية تحترم الجوار هو بارقة أمل حقيقية لخلاص بلدانهم وشعوبهم من مخاطر التهديد والتجربة خير دليل في أربع عواصم عربية كما يعترف نظام الملالي نفسه بذلك متباهياً، أما على الصعيد الوطني فلن تكون المقاومة إلا جسراً يعبر عليه الشعب الإيراني نحو مستقبل أفضل وحياة حرة كريمة، ولن تكون مساعي أعداء الشعب الإيراني وشعوب المنطقة إلا سرابا.
د.سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي